على رغم كل الكتب الصادرة حولها، والخطب الكثيرة التي تلقى عنها، فضلاً على المؤتمرات التي تتخذ منها عنواناً بارزاً، لا أحد يستطيع الادعاء بأن الذكرى الخمسين لثورة المجر في 1956 مرت دون أن ينتبه إليها أحد، أو دون أن تشد انتباه المراقبين. فقد احتفل المجريون أنفسهم بذكرى الثورة المأساوية ضد الحكم الشيوعي المدعوم من قبل الاتحاد السوفييتي عبر النزول إلى الشارع وتنظيم المظاهرات. وعلى غرار فرنسا ما بعد الثروة التي ظلت منقسمة على نفسها لعقود عديدة بين من يدعم بونابارت وبين مؤيدي الملك، مازالت دول أوروبا الشرقية موزعة في ولائها بين الحقبة الشيوعية البائدة، وبين العداء لكوارثها، لاسيما في العاصمة المجرية بودابست. لكن بدخول الاحتفالات أسبوعها الثاني أود أن أحتفل بطريقتي الشخصية عبر طرح السؤال التالي: ماذا تعلمنا نحن في الغرب، هذا إذا كنا تعلمنا شيئاً، منذ اندلاع الثورة المجرية سنة 1956؟ فكما تسنى للبعض ملاحظة ذلك لم يسجل للدور الأميركي إبان الثورة المجرية ما يثير الإعجاب، أو التقدير. فبالرغم من الجهد والوقت اللذين أنفقتهما الولايات المتحدة طيلة الفترة السابقة على الثورة لتشجيع المجر والدول الأخرى الواقعة تحت الهيمنة السوفييتية على التمرد من خلال المحطات الإذاعية والخطابات، بل وحتى المناطيد التي كانت توزع منشورات مناهضة للاتحاد السوفييتي، لم يكن أحد مستعداً عندما دقت ساعة الحقيقة. فقبل فترة وجيزة على اندلاع الثورة المجرية نشرت وكالة الاستخبارات المركزية، التي لم تكن على بينة مما يجري كما بات مألوفاً هذه الأيام، وثيقة داخلية تنفي "وجود أية حركة سرية تعتمل في المجتمع المجري". والنتيجة أن جاءت ردة الفعل الأميركية بعد وصول التقارير الأولى عن الثورة ملتبسة وغامضة. فقد تردد البيت الأبيض في البداية وبدا الارتباك على الرئيس، حيث احتار بين الدعوة إلى إقامة يوم للصلاة، أو استدعاء الصليب الأحمر، أو دعوة الأمم المتحدة للتدخل. ولم يتدخل وزير الخارجية الأميركية وقتها "جون فوستر دالاس" الذي كثيراً ما تحدث عن ضرورة "تحرير الشعوب المحتجزة" إلا بعد مرور أربعة أيام على المواجهات العنيفة في شوارع بودابست ليعلن أمام الملأ أن الحكومة الأميركية لا تنظر إلى المجريين المنتفضين "كحلفاء محتملين" لتصل الرسالة واضحة إلى الجميع: لن يتدخل الغرب. وبينما كان وزير الخارجية الأميركي يطمئن الجميع بألا شيء سيحدث، كانت الآلة الدعائية الشيوعية في المجر توضح للشعب كيف يصنع قنابل "المولوتوف" لمواجهة الغزو الأميركي الوشيك. ولو وضعنا ما حدث في سياق الفترة الحالية لقلنا إن جزءاً من الحكومة الأميركية كان "مع نشر الديمقراطية"، فيما كان الجزء الآخر مع "الحفاظ على الاستقرار"، والنتيجة هي فوضى عارمة وسوء في التقدير. فقد استمر المجريون في القتال حتى بعد وصول الدبابات السوفييتية على أمل أن يهب الغرب لنجدتهم، حيث قتل المئات من المدنيين دون أن يأتي الغرب الذي دفع الثمن بعد ذلك عبر توتر العلاقات مع المجر طيلة الأربعين سنة التالية. هل تغير شيء منذ ذلك الحين؟ فها نحن مرة أخرى لدينا رئيس يتحدث علناً، وبصدق لاشك، عن نشر الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان في الشرق الأوسط. وهو في ذلك يلقى الدعم من الكونجرس ووسائل الإعلام، فضلاً عن الوكالات المختلفة داخل وزارة الخارجية التي يبدو أنها نذرت نفسها لدعم قضية الديمقراطية في العالم. ومن غير المستبعد في هذا السياق أن يعتقد مجموعة من "الديمقراطيين" العرب أننا سنهب لمساعدة تمردهم على النظام الشمولي في بلدهم، دعونا نتخيل مثلاً أن مجموعة من الأفراد في دولة عربية تحظر على مواطنيها حق التظاهر نزلوا إلى شوارع العاصمة. وبالطبع لن يكون أحد مهيأ لذلك في الولايات المتحدة، حيث ستبدي وكالة الاستخبارات المركزية دهشتها مما جرى؛ وكل ما سيحدث هو ترحيب وسائل الإعلام بـ"الديمقراطيين الجدد" كما رحبوا بهم إبان الثورة المجرية. وفي الوقت نفسه سيسارع البعض الآخر في الإدارة الأميركية إلى مساندة النظام في تلك الدولة وتأمين الوضع الراهن كما فعلوا ذلك سنة 1956 خوفاً من انقطاع إمدادات النفط. وفي الأخير سيتحدث البيت الأبيض عن المساعدات الإنسانية وسيدعو الأمم المتحدة للتدخل لينتهي الأمر باستقرار النظام الحاكم والقضاء على "الديمقراطيين الجدد" في تكرار مؤسف للتجربة المجرية. آن أبلباوم ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كاتبة ومحللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"