هل يبدو شيئاً مألوفاً أن تتخيل مجموعة من الشبان البريطانيين الطائشين، الذين توجد لديهم مظالم حقيقية، والمدفوعين بالتعصب الديني أن قيامهم بعمل إرهابي سيكون في صالح "قضيتهم" ليتبين بعد ذلك لأشقائهم في الدين أن ذلك العمل قد أضر بقضيتهم أيما ضرر. هذا وصف منصف لما ترتب على تفجيرات مترو أنفاق لندن التي تمت في السابع من يوليو 2005، ولكنه في نفس الوقت وصف لتلك المؤامرة المعروفة بـ"مؤامرة البارود" والتي تعود إلى 401 عام خلت تقريباً والتي تعتبر من أبشع المؤامرات الإرهابية في تاريخ بريطانيا . وعلى الرغم من الفروق وبُعد المدة الزمنية بين المؤامرتين فإن مؤامرة 1605 وما حدث بعدها يمكن أن تمدنا ببعض الرؤى المتعمقة بخصوص المشكلات التي نواجهها حالياً. إن ما حدث في بداية القرن السابع عشر في بريطانيا هو أمر معروف لكل تلميذ بريطاني. ففي الخامس من نوفمبر 1605 قررت حفنة من الكاثوليك الذين كانوا يحسون بالإحباط بسبب القمع المتزايد الذي تعاني منه طائفتهم في بريطانيا تفجير الملك البروتسانتي "جيمس الأول" ومعه جميع أعضاء البرلمان البريطاني، ولكن الذي حدث هو أن تلك المؤامرة قد اكتشفت قبل عدة ساعات من إقدام "جاي فاوكيس" وهو أحد المتآمرين الثلاثة عشر على إشعال 36 برميل بارود تحت مجلس اللوردات. ووفقاً للتقديرات الحالية، فإن تلك البراميل لو انفجرت فإنها كانت ستؤدي إلى تدمير مجلس اللوردات بأكمله وقتل كل شخص كان موجوداً داخل دائرة يبلغ نصف قطرها 100 ياردة بما في ذلك الملك وكبار الوزراء وأعضاء البرلمان. وعندما تم القبض على "فاوكيس" وتعذيبه اضطر إلى الاعتراف بالمؤامرة والكشف عن أسماء زملائه، فيها والذين قتلوا إما أثناء محاولة القبض عليهم أو بتنفيذ ال‘دام بحقهم. ولكن ذلك لم يؤد إلى معالجة المشكلة القائمة في ذلك الوقت وهو تمزق البلاد بالخلافات المذهبية. بل إن العكس تماماً هو الذي حدث حيث نتج عن كشف تلك المؤامرة أن سكان بريطانيا من الكاثوليك الذين كان عددهم يبلغ 40 ألفاً من إجمالي عدد السكان في ذلك الوقت البالغ 4 ملايين نسمة، أصبح ينظر إليهم على أنهم "خونة". وبسبب تلك النظرة تم إخضاع الكاثوليك للمراقبة المشددة والقمع والترهيب، كما أجبروا على تنفيذ كافة فروضهم الدينية بما في ذلك الزواج والجنازات في الكنائس البروتسانتية وتغريمهم في حالة عدم حضورهم للقداس الأنجليكاني، كما تم منعهم من العمل كمحامين أو ضباط عسكريين، أو الالتحاق بالجامعات أو التصويت في الانتخابات. وليس من الصعوبة بمكان اكتشاف أوجه شبه وتواز بين الأوضاع السائدة في القرن السابع عشر وتلك السائدة الآن. فبعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر والهجمات التي تمت ضد مترو أنفاق لندن أصبح المسلمون البريطانيون محط تركيز من قبل أجهزة الإعلام والسياسيين والأجهزة الأمنية، على حد سواء. فالشرطة البريطانية تقوم حالياً بشن غارات التفتيش على الأسر البريئة، كما أن الحكومة تخطط لمراقبة الطلبة الذين يحملون ملامح آسيوية، مثلما أن هناك حالة من العداء واسع النطاق ضد تلك الأقلية من النساء المسلمات اللائي يرتدين النقاب، وهي كلها إجراءات ساهمت في إحساس الكثير من المسلمين في بريطانيا بأنهم مستهدفون وضحايا، وهو إحساس مشروع سيؤدي دون شك إلى ارتكاب المزيد من أعمال العنف. لقد استلزم الأمر عقوداً حتى أمكن في النهاية تخفيف التوتر بين الكاثوليك والبروتستانت، الذي نتج عن "مؤامرة براميل البارود". ففي الوقت الراهن ليس هناك صراع في معظم أنحاء البلاد بين الكاثوليك والبروتستانت كما أن "فاوكيس" والمؤامرة برمتها تحولا إلى مناسبة يتم تذكرها بشكل فولكلوري. والسؤال الآن هو: هل يمكن للتوترات الدينية والسياسية التي يعاني منها كوكبنا أن تذوي مثلما ذوت الدوافع التي أدت إلى "مؤامرة البارود" تلك. دعونا نأمل ذلك، ونأمل أيضاً ألا نضطر للانتظار لأربعة عقود حتى يتحقق ذلك. ماثيو كوب ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أستاذ علوم الحياة بجامعة مانشستر ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"