أصبحت كوريا الشمالية ثالث دولة تثير أزمة عالمية، من بين الدول التي أدرجها الرئيس الأميركي جورج بوش ضمن ما أسماه "محور الشر". لكن الملاحظ أن بوش يعالج هذه الأزمة بطريقة أفضل من الطريقة التي عالج بها أزمتي العراق وإيران. كان هناك خطآن فيما يتعلق بالعراق: أولهما يتصل بالاستخبارات، أما ثانيهما فيتعلق بالتعامل مع الأمم المتحدة وحلفاء واشنطن فيها حيث فقد الرئيس صبره ولم ينتظر ليرى مواقف هذه الدول، فغزا العراق بدعم بريطاني. أما بالنسبة للأزمة مع إيران، فقد أظهر بوش قدراً من الصبر أكبر من ذلك الذي أظهره تجاه العراق؛ سواء في التعامل مع طهران أو في التعامل مع حلفائه في الأمم المتحدة. وبالنسبة للأزمة الكورية الشمالية، أود أن أقول إن بوش على حق في معارضته للدخول في مفاوضات ثنائية مع نظام بيونج يانج، وإصراره على استئناف المحادثات السداسية التي كانت جارية مع هذا النظام. فربما كانت كوريا الشمالية تهدف إلى إحداث انشقاق بين الولايات المتحدة وشركائها في المحادثات السداسية، وهو أمر يجب على واشنطن أن تتجنبه بكافة السبل. فحدوث ذلك الانشقاق لن يكون في صالح الولايات المتحدة لأن الأطراف الأخرى المشاركة في تلك المحادثات تتمتع بنفوذ على كوريا الشمالية أكبر من النفوذ الأميركي، وهو ما ينطبق بشكل خاص على الصين التي تعرف أفضل منا كيف يمكن أن يتحقق الهدف الذي نريد الوصول إليه. والهدف الذي تسعى أميركا للوصول إليه هو الحصول على تأكيدات يمكن الوثوق بها حول امتناع نظام بيونج يانج عن استخدام أسلحته النووية، وعلى أنه سيستخدم برنامجه النووي للأغراض السلمية فقط. وإذا ما تم النظر إلى الأزمة الحالية من منظور أوسع نطاقاً، فإنه سيتبين أن تلك الأزمة يمكن أن تكون بمثابة نقطة تحول في السياسات النووية بشكل عام. فالولايات المتحدة قد تجد أنها ستكون مضطرة، إن آجلاً أو عاجلاً، للاعتراف بفشل سياستها الخاصة بحظر الانتشار النووي. يرجع ذلك الفشل جزئياً إلى حقيقة أن دول العالم الثالث تنظر إلى مسألة امتلاكها القوة نووية كعلامة من علامات الكرامة والمكانة الوطنية. في الفترة التي أعقبت ضرب الولايات المتحدة لهيروشيما ونجازاكي بالقنابل الذرية عام 1945، سعت الحكومة الأميركية إلى تدويل عملية تطوير الطاقة النووية والتحكم فيها. وفي هذا الإطار تم تقديم خطة من قبل "ديفيد ليلينثال" الذي كان يشغل حينها منصب مدير ما كان يعرف بـ"هيئة وادي تينيسي"... وهي خطة تقوم على وضع جميع عمليات الأبحاث والتطوير الذري تحت سيطرة "هيئة التطوير النووي"، كما كانت تلك الخطة تقوم أيضاً على حظر جميع البرامج الوطنية للانتشار النووي، بما في ذلك البرامج الأميركية. لكن تلك الخطة، وللأسف، كانت ضحية مبكرة للحرب الباردة. وبعد مرور 60 عاماً على ذلك الحدث، نجد أن المارد النووي قد خرج من القمقم وتجسد بصورة تدعو البعض للاعتقاد أنه لن تمكن إعادته إليه مرة أخرى. ويمكن المجادلة بأن الأسلحة النووية الموجودة في حوزة القوتين العظميين في العالم خلال فترة الحرب الباردة، وهما الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق، هي التي حافظت على السلام حينئذ. فهاتان القوتان العظميان قبلتا بالعقيدة المعروفة باسم عقيدة "الدمار المتبادل المؤكد" والتي كانت تعني أن استخدام الأسلحة النووية سيؤدي إلى دمار الدولة المعتدية والمعتدى عليها في الوقت نفسه، ما شكل رادعاً قوياً ضد استخدام الأسلحة النووية من قبل الدولتين، وهو رادع قد لا يكون قوياً بالنسبة لزعماء بعض قادة الدول النووية الحالية. علاوة على ذلك فقد تحولت سياسة الولايات المتحدة الرامية إلى منع الانتشار النووي، ومع مرور الوقت، إلى سياسة تتميز بالانتهازية وعدم الاتساق. ففي الوقت الذي غضت فيه واشنطن الطرف عن حيازة كل من الصين وإسرائيل للقنابل النووية، فرضت عقوبات على باكستان لمنعها من القيام بتطوير سلاح نووي، كما فرضت عقوبات إضافية ضد باكستان، ثم عقوبات جديدة ضد الهند بعد إجراء الدولتين لتجارب نووية ناجحة عام 1998. إلا أن الوضع مختلف الآن، فالرئيس بوش رفع تلك العقوبات عن إسلام أباد ونيودلهي عقب الحادي عشر من سبتمبر مباشرة، عندما كانت الولايات المتحدة بحاجة ماسة لمساعداتهما في حربها على الإرهاب. هذا هو الوضع السائد حالياً في الساحة النووية، وهو ما يطرح سؤالاً مهماً: أين يمكننا أن نذهب من هنا؟ لاشك في أن الجميع سيكونون أفضل حالاً عندما لا تكون هناك أسلحة نووية أو عندما لا يكون هناك مزيد منها، لكن المشكلة هي أن السياسة الدولية تحفل بالعديد من المفارقات ومنها أنه كلما كانت الدولة أقل قدرة على امتلاك سلاح نووي كلما كانت أكثر رغبة في امتلاكه. إذن ما العمل؟ إن الأمم المتحدة، ورغم نواحي القصور التي تعاني منها، هي المنظمة المناسبة، بل قلْ المنظمة التي لا يمكن الاستغناء عنها في هذا المجال. وهناك سؤال أكثر أهمية في هذا المجال: كيف نمنع تحول الانتشار النووي إلى سباق عالمي نحو امتلاك الأسلحة النووية؟ إن جائزة نوبل للسلام في انتظار الشخص الذي يستطيع العثور على إجابة لهذا السؤال! بات أم. هولت ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الرئيس السابق لهيئة أعضاء لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"