على إثر التسوية التي توصلت إليها كل من فنزويلا وجواتيمالا، لنزاعهما حول الحصول على المقعد الشاغر بمجلس الأمن الدولي، من المتوقع أن تشغل بنما هذا المقعد خلال العامين المقبلين. غير أن حاصل هذا النزاع الضاري بين فنزويلا والولايات المتحدة الأميركية، يعني أنه لم تحصل القوة العظمى، ولا خصمها اللاتيني الأميركي، على ما كانا يطمحان إليه، بحصول بنما على المقعد إياه. ولكي لا نحيد عن الصواب، فقد حققت الولايات المتحدة هدفها الرئيسي متمثلاً في إبعاد الزعيم اليساري هيجو شافيز عن مجلس الأمن. وكان شافيز يريد استخدام ذلك المقعد لمناهضة الولايات المتحدة، لاسيما وهو يرى في مجلس الأمن الدولي، منبراً خاصاً بالدول النامية. إلا أنه لم يتسن لواشنطن أن تنعم بفوز جواتيمالا كمرشح مفضل لها لشغل ذلك المقعد بالنتيجة. ولم يأتِ الحل إلا بعد أسابيع من العراك والأزمة داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة، مما هدد بخطر شق صفوف القارة اللاتينية، وبانحسار النفوذ الأميركي فيها. فمن جانبه عجز شافيز عن تحويل رحلاته المكوكية، ونبرة عدائه للولايات المتحدة، إلى ما يكفي من الأصوات لضمان فوز بلاده بالمقعد الشاغر. أما الولايات المتحدة فعجزت هي أيضاً عن تأمين الفوز لحليفتها جواتيمالا، بينما "تقرحت في عراكها مع شافيز"، على حد قول مجويل تنكر سالاز، الباحث في شؤون أميركا اللاتينية بكلية "بومونا- كليرمونت" في ولاية كاليفورنيا. وحسب رأيه فقد بدت أميركا في هذا العراك، كما لو كانت ملاكماً من الوزن الثقيل، أتاح مجالاً لملاكم من الوزن الخفيف، لخوض جولات وجولات معه. ومن الطبيعي أن ينتهي الأمر إلى إثارة عدة تساؤلات حول حدود قدرة ملاكم الوزن الثقيل هذا! وكان التصويت على المقعد الدوري في مجلس الأمن، قد بدأ في السادس عشر من شهر أكتوبر المنصرم، ولم يتبقَّ سوى الحصول على إجماع إقليمي لاتيني، من شأنه تسريع اتخاذ القرار وحسمه. لكن ما أن اتضح عدم قدرة جواتيمالا وفنزويلا على الحصول على نسبة ثلثي الأعضاء اللازمة لتأمين ذلك المقعد، من أصل أصوات الجمعية العامة للأمم المتحدة البالغة 192 صوتاً -في وقت مبكر من عملية الاقتراع- حتى استمر التصويت إلى يوم الأربعاء الماضي. وكانت جواتيمالا قد حافظت على موقف متقدم على منافستها فنزويلا، بعد حصولها على 47 صوتاً. بيد أنها كانت أبعد ما تكون عن الحصول على ما يكفي من أصوات لتأمين المقعد. وإثر التسوية التي توصلت إليها الدولتان الإقليميتان المرشحتان، فإن فوز بنما بهذا المقعد، بات في حكم المؤكد، في الاقتراع المقرر يوم الخميس المقبل. وكان قادة أميركا اللاتينية قد عانوا مشقة كبيرة يوم الأربعاء الماضي، في تأكيد التسوية الأخيرة التي تمت بين جواتيمالا وفنزويلا حول ترشيح بنما للمقعد، كمؤشر جد قوي على وحدة صفوف القارة اللاتينية. من ذلك ما جاء في حديث جيرت روزنتال، وزير الخارجية الجواتيمالي: "إننا قلقون إزاء فكرة الانقسام بين شمال وجنوب أميركا اللاتينية. ولذلك فقد سعينا لإخماد نار هذه الفكرة بالبحث عن دولة تحظى بقبول كافة أطراف القارة". جاء ذلك في حديث له إطراءً لبنما كدولة موحِّدة لجنوب القارة ووسطها. لكن رغم ما يبدو من تفاؤل في مثل هذه التصريحات، فإن كثيراً من القادة اللاتينيين والمحللين، يرون أن هذه الأزمة اللاتينية حول مقعد مجلس الأمن، إنما تنبئ عن انقسام أكثر مما تشير إليه من وحدة لاتينية. كما أنها تشير إلى تقلص نفوذ وعلاقات الولايات المتحدة مع دول القارة. ذلك هو ما أكده مايكل شيفتر -نائب رئيس الحوار اللاتيني في واشنطن- بتعليقه: "تعكس هذه الأزمة حالة انقسام الصف اللاتيني. ذلك أن مسارها وطريقة إدارتها، لا يعكسان انسجاماً ولا تواصلاً كما يعتقد. ولاحظ الخبراء أيضاً، أن دولاً لاتينية مثل الأرجنتين والبرازيل، وقفت في هذه المواجهة مع فنزويلا، بينما وقفت دول أخرى مثل المكسيك ومعظم دول أميركا الوسطى مع جواتيمالا، وبالنتيجة مع الولايات المتحدة التي تساندها. وعلى حد قول الخبراء والمحللين، فقد ازدادت المواجهة وانقسام صفوف القارة اللاتينية، خاصة بسبب سلوك هيجو شافيز. ذلك أنه منح صفقات نفط تفضيلية، لعدد من دول القارة، بقصد شراء مساندتها وتأييدها له في مساعي بلاده لانتزاع عضوية مجلس الأمن الدولي. وقد حقق ذلك التكتيك ثماره ونتائجه المرجوة، في تأثيره الملحوظ على الدول الكاريبية الفقيرة، على وجه الخصوص. فقد زعم أن موقف هذه الدول من الاقتراع، سيكون محسوماً لصالح شافيز، رغم الطبيعة السرية للاقتراع في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة. غير أن حرص الولايات المتحدة على إبعاد فنزويلا عن المقعد، أثار حفيظة البعض، وأثمر في استخدام التصويت على المقعد الشاغر، وسيلة للتعبير عن مشاعر عدائه لأميركا، وهي المشاعر التي تفتقت، إثر الغزو الأميركي للعراق. هوارد لافرانشي ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ محرر الشؤون الخارجية في صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"