هناك عنصر مهم -وإنْ كان قليلاً ما يتم التعرف عليه فيما يتعلق بموضوع إعادة انخراط الولايات المتحدة في مواجهة مشكلة التغير المناخي- وهو ذلك المتعلق بطرح حوافز مالية للمحافظة على الغابات القائمة، وزيادة الاهتمام بزراعة غابات جديدة. ويعتقد المراقبون أن مثل تلك الحوافز ستكون مغرية ليس للدول الفقيرة فحسب، ولكن للشركات والمزارعين الأميركيين أيضاً، من حيث أنها ستشجعهم على الانخراط في الجهود الرامية لمعالجة موضوع التغير المناخي العالمي. والحقيقة أن الوقت يمر سريعاً دون أن يتم اتخاذ الإجراءات الكافية في هذا المجال، كما يبين تقرير أعده السير "نيكولاس ستيرن" بتكليف بريطاني، والذي أكد فيه على أهمية مبادرة جميع الدول دون استثناء لاتخاذ إجراءات سريعة في موضوع التغير المناخي لتجنب حدوث خراب اقتصادي كبير في العقود القادمة. ومن ضمن الأسباب التي تحول بين الولايات المتحدة والانخراط في سياسات المحافظة على المناخ العالمي، السبب الخاص بعدم وجود تعهدات واضحة من جانب الدول النامية لاتباع تلك السياسات، وهنا تحديداً يأتي دور حوافز زراعة الغابات. ومما يذكر في هذا السياق أن بروتوكول "كيوتو"، أكد على الحاجة إلى تمويل مشروعات صديقة للبيئة في الدول النامية. وكان هذا تحديداً هو الأساس المنطقي وراء ظهور ما يعرف بـ"آلية التنمية النظيفة"، التي تنظم عملية منح تسهيلات ائتمانية للمشروعات التي يُوافق عليها باعتبارها صديقة للبيئة، كما يمكن استخدامها كمقياس للتأكد من التزام الدول المختلفة المشتركة في البروتوكول بالتزاماتها. وقامت الدول الموقعة على بروتوكول "كيوتو" بقصر المشروعات المتعلقة بزراعة الغابات التي تستحق الحصول على تسهيلات ائتمانية، على تلك المشروعات الخاصة بغرس الأشجار في أراض مستصلحة (لم تكن مستخدمة من قبل في زراعة الغابات) أو إعادة غرس الأشجار في أراض كانت مستخدمة كغابات من قبل. وهذه التسوية التي تم التوصل إليها في اللحظات الأخيرة بواسطة آليات التفاوض في ذلك المؤتمر، جاءت على حساب الكثير من الجهود المهمة في مجال محاربة تجريف الغابات (والتي كان يمكن بالتالي أن تقلل من نسبة الانبعاثات الغازية في الجو) لأنها اعتبرت أن تلك المشروعات، لا تؤهل الدول الفقيرة القائمة بها للحصول على تسهيلات ائتمانية. وقد أثبتت الدراسات التي قام بها البنك الدولي أن منح تسهيلات ائتمانية لمشروعات زراعة الغابات، يعطي السكان المحليين وحكوماتهم، وخصوصاً في الدول النامية حوافز مهمة للمشاركة الفاعلة في تنفيذ السياسات الرامية للمحافظة على البيئة. والهموم المتعلقة بالتسهيلات الائتمانية المتعلقة بالغابات، وما إذا كانت تلك التسهيلات تقود بالفعل إلى تقليص نسبة الانبعاثات الغازية في الجو حقاً، يتم بحثها حالياً في الاجتماعات التي يعقدها مجلس إدارة "آلية التنمية النظيفة"، الذي يواصل مهمته في إصدار التوجيهات والخطوط العريضة التي تثبت أهمية منح تلك التسهيلات. يشار إلى أن تقديم التسهيلات الائتمانية من أجل مشروعات حماية الغابات القائمة بالفعل وغيرها من أنواع المشروعات القائمة على استخدام الأراضي يتفق إلى حد كبير مع أهداف ما يعرف بـ"اتفاقية الإطار للأمم المتحدة" الخاصة بالتغير المناخي والتي صدرت عام 1992، كما يتفق أيضاً مع بنود بروتوكول "كيوتو" من حيث إنها تلزم الدول الصناعية فيهما بالموافقة على مشروعات المحافظة على الغابات القائمة وزراعة غابات جديدة. الأهم من ذلك هو أن المداخيل الإضافية التي ستحصل عليها الدول الأشد فقراً من خلال التوسع في استخدام نظام التسهيلات الائتمانية يمكن أن تكون حافزاً لها على المشاركة في النظام الذي سيتم اتباعه فيما بعد عام 2012. والائتلاف المكون حديثاً والمعروف باسم "ائتلاف دول الغابات المطيرة" والذي يضم 15 دولة من الدول النامية يدعو إلى توسيع نظام منح التسهيلات الائتمانية للدول النامية للمحافظة على غاباتها بحيث يشتمل هذا النظام أيضاً على منح التسهيلات الرامية لحماية الغابات الموجودة فعلاً وليس الغابات الجديدة فقط. والصين والهند بالذات لهما مصالح مهمة في مد النمو الاقتصادي الحادث فيهما الآن إلى مناطقهما الريفية، والتحكم في عملية انتشار الصحاري (التصحر) وعكس اتجاهها، وإعادة ملء خزانات تجميع مياه الأمطار التي نضبت مياهها، فضلاً عن توسيع نطاق الصناعات المحلية المرتبطة بزراعة الغابات. وهذا الموضوع وغيره سيكون محل مناقشات مستفيضة في اجتماع التغير المناخي الذي سيعقد في نيروبي في كينيا الأسبوع القادم، والذي يؤمل أن يكون بمثابة خطوة أولى حيوية من جانب الدول النامية في مجال الالتزام بتحقيق تخفيضات محددة في الانبعاثات الغازية. وهناك في هذا المؤتمر أيضاً فرص للولايات المتحدة -الدولة الكبرى الأكثر امتناعاً عن الالتزام ببروتوكول "كيوتو". حيث يمكن لهذا المؤتمر أن يوفر لها الحوافز التي تتيح لها المزيد من المرونة فيما يتعلق بالوفاء بأهدافها. المزارعون الأميركيون بدورهم سيجدون ذلك مغرياً، وخصوصا وهم يبحثون في الوقت الراهن عن موارد جديدة لتعويض الدعم الذي تقدمه لهم الحكومة، والذي قد يتعرض للتقليص، بسبب ضغوط تُمارس ضد الحكومة الأميركية لإجبارها على إيقافه. وطالما أن التسهيلات الائتمانية التي يتم منحها لزراعة الغابات تتفق مع المعايير الصارمة اللازمة للمحافظة على البيئة، فإن تلك التسهيلات يجب النظر إليها على أساس أنها وسيلة مناسبة لتقليص الانبعاثات الغازية بشكل رخيص، كما أنها توفر في نفس الوقت حوافز للدول للنامية -وللولايات المتحدة أيضاً- للانضمام للجهود الرامية لمكافحة أخطر التهديدات البيئية التي تواجه كوكبنا الأرضي في الوقت الراهن. ستيوارت إيلزنستات ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كبير المفاوضين الأميركيين في بروتوكول "كيوتو"، ووكيل وزير الخارجية السابق بإدارة كلينتون. ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"