تقول وزارة الاقتصاد، إنها انتهت مؤخراً من إعداد دراسة شاملة لإنشاء "مركز وطني للإحصاء" يختص بإعداد التقارير الإحصائية والتحليلية لمختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية على مستوى الدولة، بعدما ظلت العديد من الوزارات والدوائر الحكومية، بل والشركات والمؤسسات الكبرى، تسعى باستمرار طيلة السنوات الماضية لتوفير البيانات والإحصاءات التي تحتاجها من خلال جهودها الفردية الخاصة. إن هذه الجهود جميعها يمكن تجميعها وتنسيقها وتوحيدها من خلال هذا المشروع الذي جاء متأخراً جداً، ولكن تنفيذ هذا المشروع ولو متأخراً يبقى أفضل في مطلق الأحوال من عدم تنفيذه بالمرّة، ولاسيما أن هذه الخطوة تأتي في وقت تشهد فيه الدولة إيقاعاً تنموياً متسارعاً في المجالات كلها، الأمر الذي يضاعف من الحاجة إلى قاعدة موحدة للبيانات الإحصائية، تكون بمنزلة الأساس للتخطيط الناجح والقرار الصائب والمدخل المأمون بالنسبة إلى مشروعات التنمية المستقبلية، التي يفترض أن تتخذ القرارات بشأنها وفقاً لمعطيات واقعية وإحصاءات دقيقة وشاملة. هناك ضرورة ملحّة لتنمية وتطوير قطاع المعلوماتية والإحصاءات في الدولة بصفة شاملة، باعتباره القطاع الحيوي الذي يكفل تعزيز قدرات اتخاذ القرار السليم ورفد خطط وبرامج التنمية والتطوير الشامل. فالبنية التحتية للمعلومات والإحصاءات تُعدّ بمنزلة العمود الفقري لتطور الدول في العصر الحديث، باعتبارها تمثل حجر الزاوية في عملية التقدم والتنمية سواء على المستويات الوطنية والإقليمية والعالمية كافة. فلم يعد وجود مركز وطني للإحصاء في الدولة لخدمة قضايا التنمية الشاملة أمراً يحتمل التأجيل لأكثر من ذلك، في ظل حالة الجدل والخلاف حول صحة المعلومة بشأن العديد من المؤشرات التنموية، مع تعدد وتنوع مصادر هذه المعلومة. إن وجود "مركز وطني للإحصاء" بات أمراً حيوياً وملحّاً من أجل توحيد مصدر المعلومات في الدولة، حيث يتوقع أن يتولى المركز تنسيق عمل مراكز وإدارات التخطيط المحلية والاتحادية وتزويدها بالبيانات الصحيحة. إن إنشاء "مركز وطني للإحصاء"، يجب أن يتم في إطار استراتيجية موحّدة للمعلومات، يتم من خلالها إدماج القرارات الإحصائية في الاستراتيجيات الإنمائية الوطنية، لتكون بمنزلة الأساس الذي يعتمد عليه في رسم السياسات والإدارة بشكل فاعل، إضافة إلى دعم الاتجاه لوضع استراتيجيات شاملة، لتعزيز واستمرار القدرة على إنتاج وتحليل واستخدام الإحصاءات، والسعي لإيجاد حوار أكثر فاعلية بين المنتجين للمعلومات والمستخدمين لها، وتحسين التعاون بين جميع الشركاء الذين يقومون بالأنشطة الإحصائية والمعلوماتية. وهذا بدوره يتطلب زيادة الدعم السياسي والمادي لمثل هذه الاستراتيجية، ووضع هياكل وإجراءات جديدة لإدارة المعلومات بصورة فعالة، وتدبير موارد بشرية مواطنة لإدارة هذه المعلومات، مستفيدة في ذلك من التطورات المتلاحقة والقدرات العالية في وسائل تجميع وإنتاج ونشر واسترجاع المعلومات. كما أن تطوير العمل الإحصائي بالدولة يتطلب التحرك في اتجاهات عدة، منها إصدار تشريعات حديثة لتنظيم العمل الإحصائي، ووضع الخطط لإجراء المسوح الإحصائية، وبناء قواعد البيانات، وإعداد الخطط لنشر البيانات الإحصائية، وتطبيق المنهجيات والمعايير الدولية في العمل الإحصائي، وإعداد الكوادر الوطنية للقيام بالعمل الإحصائي، ونشر الوعي الإحصائي، وبناء الثقافة الإحصائية، وتوثيق التعاون مع المنظمات الدولية في مجال الإحصاء. ويبقى الأمل في الانتهاء من تنفيذ هذا المشروع الحيوي بالسرعة والجدية التي تمليها الحاجة الماسّة إلى بنية تحتية إحصائية اتحادية متقدمة تتجاوب مع احتياجات المرحلة المقبلة وتحدياتها المرتقبة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.