إنْ كنت تخال أن جورج بوش وديك تشيني ودونالد رامسفيليد يرمونك بالغباء، فلك أن تدرك أن ذلك عين الحقيقة. فهم يعتقدون أن في وسعهم الاحتيال عليك بصرف نظرك عن مأزق العراق والرئيس جورج بوش، بسلخهم لجون كيري الذي لم يعد مرشحاً للمنصب الرئاسي، إلا أنه وخلافاً لبوش ونائبه تشيني، لم يحدث له أن هرب مثلهما من الخدمة العسكرية. وبتلك الخدعة، فهم يدفعونك دفعاً أيها الناخب الأميركي، للتصويت ضد كل الديمقراطيين في هذه الانتخابات. ولذلك فإنني أرجوك أن تقول لنفسك في كل مرة ترى فيها سياط بوش وتشيني وهي تنهال على ظهر كيري: يارب... لابد أنهم يفترضون فيَّ الغباء! ولعلمك فهم يفعلون حقاً. وهم بذلك إنما يحسبون أن في وسعهم صرف الأنظار عن الإساءات البالغة والحقيقية، التي وجهها بوش وفريقه إلى جيشنا وقواتنا خلال الستة أعوام الماضية، بتسليطهم الضوء على عبارات الغيظ والهزء التي وجهها كيري إلى الرئيس بوش. ولكن هل من إساءة أبلغ وأنكى للجيش الأميركي، من إرسال جنوده إلى ميادين القتال في العراق، دون أن يتوفر منهم ما يكفي لخوض تلك المعارك؟ هل من إساءة أكبر من أن نقدم على غزو دولة أجنبية، ليس بناءً على عقيدة القوة العسكرية الضاربة التي نادى بها الجنرال كولن باول، وإنما بعقيدة القوة الكافية لهزيمتنا، والتي عمل بها رامسفيلد؟ وأي إساءة وأذى يمكن أن نلحقهما بقواتنا المسلحة -رجالها ونسائها- أكثر من الزج بها في ميادين القتال والحروب، دون أن نوفر لها ما يلزمها من العتاد الحربي، ما دعا البعض منهم إلى شراء دروعهم البشرية من جيوبهم، وأن نضطرهم للجوء إلى تصفيح ناقلاتهم العسكرية بالحجارة والخردة المعدنية، تجنباً لمصير الموت المحتوم الذي ينتظرهم، وإيثاراً للإعاقة البدنية المستديمة، بديلاً له؟ ثم هل من أذى وإساءة أبلغ من استجابة رامسفيلد الهازئة المستخفة للانتقادات التي وجهت إليه بسبب إرسال قواتنا إلى العراق على عجل ودون أن يعد لتلك الحرب بما يكفي بقوله: دعوكم من هذا... فأنت تذهب إلى القتال بما توفر لك في الساعة المحددة من جيش ومقاتلين. وبعد، فهل من أذى وإساءة لجيشنا أبلغ من إرسال جنوده إلى حرب على بلد، لم نوفر له بعد من أسباب التخطيط ما يكفي لإعادة بنائه سياسياً في مرحلة ما بعد الحرب؟ وبالنتيجة فقد كان من قدر جيشنا ومسؤوليته، ليس تولي مهام حفظ الأمن والنظام في عراق ما بعد الحرب فحسب، بل وتولي مسؤوليات سياسية في مرحلة إعادة البناء أيضاً! هذا وينسب لفريق بوش إبداعه لمكتبة خيالية عملاقة من كتب التاريخ العسكري، تراصت كتبها ومجلداتها من "كوبرا 2" إلى "الفشل" وصولاً إلى "دولة النكران"... لم تفض جميعها إلا إلى استنتاج وحيد، توصل إليه الضباط والجنود أنفسهم الذين خاضوا تلك الحرب، ألا وهو: لم تكن للإدارة خطة لليوم التالي للحرب، وإننا ظللنا نرتق خيوط تلك الخطة من حينها، وندفع ثمن رتقنا للخيوط، منذ ذلك اليوم وإلى الآن. وثالثة الأثافي وأبلغها أذى وإساءة، أن نزج بجنودنا في حرب ننفق على أعدائنا فيها بنهمنا في استهلاك طاقة النفط، وما يكلفنا ذلك من دولارات عزيزة. ورغم صدق ما قاله الرئيس بوش عن إدماننا للنفط، فإنه لم يفعل شيئاً البتة في سبيل معالجة بلادنا ودفعها في اتجاه الكف عن ذلك الإدمان. وبالنتيجة فها نحن نواصل تمويلنا لأعدائنا في إيران وسوريا ولمؤسسات الإرهاب الإسلامي الأصولي، وللمدارس الإسلامية ومعسكرات تنظيم "القاعدة"، بحُر مالنا ودولاراتنا التي ننفقها على مشترياتنا النفطية السخية! وهناك منا من يصف كارل روف بالـ"عبقري"... وهو كذلك بالفعل، تماماً كما هي عبقرية شركات السجائر التي تفلح في إشعال نهم زبائنها لشراء السجائر، رغم علمهم المسبق بكونها سبباً لداء السرطان القاتل! فهو ليس من شاكلة أولئك العباقرة الذين في وسعهم إعادة توحيد بلادنا حول أجندة عمل حداثية تجديدية لقرننا الحالي. إنما هو من صنف تلك العبقرية الخادعة التي تلتقط أسوأ ما قاله خصوم "الجمهوريين" من أمثال جون كيري، في طعناتهم الجانبية لبعضهم بعضاً، لتتحايل عليه وتقدمه على أنه أسوأ ما فينا، هادفة بذلك إلى صرف الأنظار عن هذه الفوضى العامة التي جاء بها فريق بوش إلى بلادنا. ولئن كان كارل روف قد وفق أيما توفيق في مساعيه هذه خلال الفترة الماضية، فما كان ذلك إلا لثقته في قدرته على تسويق ما يكفي من "سجائر بوش" السرطانية. ولكن أرجوكم أن تدحضوا خطأه في المعركة الانتخابية الجارية الآن. وأن تبينوا له أنكم لستم أغبياء، وأن تصوتوا ضد إدارة زجت بنا إلى حرب لم تكن حرباً لا مناص منها فحسب، بل تحولت إلى حرب لا سبيل للفوز فيها الآن. وإن هذه فرصتكم لتؤكدوا لروف، أن هذه الانتخابات فاصلة وحاسمة، وأنه لا سبيل فيها لتحويل بلادنا إلى جمهورية للمخبولين، بإفلات الإدارة مما ارتكبته بحقها، واستمرار هيمنتها على مجلسي النواب والشيوخ. إن حدث ذلك، فهذا يعني أن ديمقراطيتنا باتت تتهاوى وتترنح الآن، وأنها أسيرة التلوث المالي والمحاباة والفساد، وأن القراصنة السياسيين قد أحكموا قبضتهم عليها، إلى حد فقدنا فيه القدرة على محاسبة الحزب السياسي الحاكم. وعندها سنكون قد أكدنا لروف، كم نحن أغبياء حقاً! أما عن نفسي... فلست كذلك مطلقاً!