خلال الأشهر القليلة المقبلة، يرجح حصول إقليم كوسوفو على استقلاله الذاتي عن صربيا، واضعاً بذلك نقطة النهاية لصراع مرير طويل الأمد، خاضته كل من الأمم المتحدة والحكومات الغربية، بغية إغلاق صفحة من صفحات التاريخ، كانت قد بدأت بحروب تطهير عرقي وحشية دامية. غير أن هذه النتيجة ليس مرجحاً لها أن تكون على شاكلة ما أملت فيه حكومات الدول الغربية التي أمضت سبع سنوات كاملة في الإشراف على الإقليم، بتكلفة مالية بلغت نحواً من 1.3 مليار دولار سنوياً. فهناك مؤشرات متزايدة على تعاظم مسؤولية القوى الدولية وضرورة استمرارها لسنوات أطول مما أملت هي فيه. وكان ألبان كوسوفو، الذين يشكلون الأغلبية السكانية في الإقليم، والأكثر مطالبة وتمسكاً برغبة الانفصال من جهة، وحكومة صربيا من جهة أخرى قد أخفقا في التوصل إلى اتفاق فيما بينهما، إثر مضي تسعة أشهر من المفاوضات والمحادثات المشتركة. فمن ناحيتهم رفض الصرب الاعتراف بأي حكومة يهيمن عليها الألبان في ذلك الإقليم الذي يكتسب أهمية دينية وثقافية خاصة بالنسبة للصرب. ومع امتداد المفاوضات واستطالتها دون التوصل إلى نتيجة ما، فقد أصبح مرجحاً فرض حل يؤمل له أن يضع حداً لتلك العملية التي بدأت منذ خمسة عشر عاماً بانهيار جمهورية يوغسلافيا السابقة وتمزقها، مما أدى لاندلاع حروب عرقية طاحنة في كل من كرواتيا والبوسنة، ثم أخيراً كوسوفو. وتعود بداية هذه الحرب الأخيرة إلى اللحظة التي تحولت فيها تلك التوترات طويلة الأمد بين الألبان والصرب، في ذلك الإقليم، إلى تمرد الأغلبية الألبانية على السلطات المحلية التي يسيطر عليها الصرب هناك. فما كان من يوغوسلافيا السابقة، التي كانت تمثل صربيا الجزء الغالب منها، إلا أن أرسلت قواتها التي نسبت إليها تلك الفظائع المروعة بحق المدنيين، ما أرغم الآلاف على الفرار من بيوتهم وديارهم. ومن جانبها تؤمل الولايات المتحدة الأميركية وحليفاتها من حكومات الدول الغربية، في أن يفضي الاتفاق الذي سيتم التوصل إليه بشأن إقليم كوسوفو، عن وضع حد لخطر نشوب النزاعات الحدودية العنيفة الدامية فيه، فضلاً عن التخفيف من عبء حاجة الإقليم لاستمرار ذلك الوجود المدني العسكري الكثيف للقوى الدولية فيه. هذا ومن المقرر أن تتولى بعثة دولية بقيادة أوروبية، مهام حفظ السلام الجارية الآن في الإقليم، عقب تقرير مصيره السياسي. لكن، وتعبيراً منه عن صعوبة حل هذه المعضلة، قال الألماني "جوشيم روكر"، رئيس بعثة الأمم المتحدة في كوسوفو: الكل يبدي قلقاً إزاء التوصل إلى الحل المطلوب. ذلك أن كوسوفو يمثل العقدة الأخيرة المتبقية من اللغز البلقاني. وعلى رغم لهفة الأميركيين للتوصل إلى هذا الحل بأسرع ما يمكن، فمن المرجح تأجيله لمدة أطول مما كان متوقعاً. فطالما ستلح حكومة صربيا على مراجعة نص مسودة أي اتفاق ستقدم على إبرامه مع ألبان كوسوفو، فإن من المرجح أن تطيل الأمم المتحدة أمد بقائها هناك، إلى حين إجراء الانتخابات العامة المرتقبة في العام المقبل 2007. يذكر أن الولايات المتحدة لم يعد لها ذلك الحضور العسكري الملحوظ في الإقليم حالياً، إذ بالكاد يصل عدد قواتها إلى 1000 جندي من جنود الحرس الوطني المرابطة هناك. لكن مع ذلك، فإن من المتوقع منها أن تسهم بنصيب مقدر في تكلفة بناء حكومة مستقلة في كوسوفو، إضافة إلى تزايد دورها ضمن البعثة الدولية التي يقودها الاتحاد الأوروبي عقب إعلان الاستقلال. وأياً كان التوقيت الذي سيعقد فيه الاتفاق، فإن على الأرجح أن يواصل المسؤولون الدوليون الحفاظ على سلطاتهم المكثفة هناك، باعتبارهم محكمين بين الألبان والأقلية الصربية لبعض الوقت، على حد قول مسؤولين دوليين تابعين للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي. وبالنظر إلى التعداد السكاني لإقليم كوسوفو، البالغ نحو مليوني نسمة –مع العلم بأنه أفقر مناطق يوغوسلافيا السابقة على الإطلاق- فإن من المتوقع أن يتواصل ارتفاع تكلفة العون المالي المقدم للإقليم. ووفقاً لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية، فإن معدل الدخل السنوي للفرد هناك، لا يزيد إلا بالكاد على الألف دولار. إلى ذلك تشير تكهنات صندوق النقد الدولي إلى انخفاض متوقع في إجمالي الناتج المحلي للإقليم، بسبب الانخفاض العام في مستوى الأداء الاقتصادي، والخسارة الاقتصادية التي ستنجم عن انسحاب بعثة الأمم المتحدة الموجودة هناك. وفي إطار هذا الاتجاه العام للتوقعات بتزايد الدور الدولي في الإقليم عقب إبرام الاتفاق المأمول، جاء في تعليق "أنتوني سي. ويلش"، المنسق البريطاني لمراجعة مستقبل أمن كوسوفو، ورئيس الفريق الدولي المكلف بهذه المهمة من قبل الأمم المتحدة: إنني أتوقع أن تصاب بريطانيا بصدمة إزاء ما سيتكشف لها من حقائق عن دورها في الإقليم، فهو دور يتوقع له أن يستمر مدة ليست بالقريبة، وبتكلفة متصاعدة وباهظة. هذا ومن المعلوم أن إقليم كوسوفو قد ظل تحت حماية الأمم المتحدة منذ تحريره من قبضة قوات الأمن اليوغوسلافية في عام 1999. وعلى الرغم من أنه لا يزال تابعاً من الناحيتين السياسية والجغرافية لصربيا، إلا أن الدول الست التي ترعى المحادثات الجارية لإبرام الاتفاق المرتقب، تقول إنه تتعذر عودته من الناحية العملية للحكم الصربي. نيكولاس وود ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مراسل صحيفة "نيويورك تايمز" في برشتينا- كوسوفو ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"