يوم الثلاثاء الماضي، كتب الأستاذ جمال خاشقجي، مقالاً بعنوان: "الهلال الشيعي وهْم أم حقيقة؟" والحقيقة أن الأستاذ كان يكتب بمنتهى الحسّ والمسؤولية التي لا تريد أن تفاقم من الأوضاع الطائفية والمذهبية التي تعصف بمنطقتنا العربية والإسلامية، لأن من شأن ذلك إضعاف هذه الأمة التي ينبغي أن تكون متحدة ومجتمعة حتى يكون لها دور ومكانة تحت شمس هذا العالم، كما وأنه يريد أن يخفف من وقع مشهد الصورة على القارئ، الذي بات يسمع ويقرأ كثيراً عن هذا "الهلال" حتى لا يصدم، أو يدفعه ذلك إلى تبني خيارات مذهبية وطائفية. وهو بحد ذاته ما يخدم المشروع الأميركي الصهيوني. ولكن في المقابل، ومع تقديرنا لحرصه على أجواء التقارب ونحن حريصون عليها أيضاً، إلا أن الحقيقة يجب أن تُقال، وألا يُصار إلى التعامي عنها، حتى وإنْ كنا نحرص على وحدتنا، كما لا يجوز أن نهوّن من هذا القادم حتى لا نستيقظ يوماً على حقيقة كنا نظنها وهماً. قبل حوالي قرن من الزمان، كانت فلسطين قلب الأمة النابض، وضميرها الحي، وظنّ أجدادنا أن فكرة الاستيلاء الصهيوني عليها وهم، فإذا بنا نستيقظ، وها هي فلسطين تكاد تمحى من الذاكرة. لم يكن سكانها الجدد أفضل حالاً من غيرهم، ولم يكونوا أكثر مالاً من غيرهم، ولم يتوفر لهم السلاح كما هو متوفر لغيرهم، ولم يحلموا بأكثر من موطئ قدم كما يحلم غيرهم، ومع كل ذلك نكاد نقول ضاعت فلسطين. أما بقية الأمة، فلا نريد لها أن تضيع ونستيقظ يوماً على ما استيقظنا عليه خوفاً من أن يتحوّل الوهم إلى حقيقة، كما تحوّل الحلم إلى واقع يصعب التعامل معه فوق تراب فلسطين. كل ما أورده الأستاذ خاشقجي أكاد أجزم بأنه ينمُّ عن مسؤولية وشعور بعدم فتح جراحات وجبهات جديدة، ولكنني أجزم في الوقت ذاته بأن هذا الشعور يسكن مشاعره كما يسكن مشاعر الأمة، وأنه يخشى كما أخشى أن نستيقظ يوماً، وقد تحوّل الوهم إلى حقيقة، ولكنه أراد الإضاءة على هذا الموضوع بطريقة دبلوماسية بارعة. وائل نجم– بيروت