الأمن الغذائي للبشر يعني في تقديرنا، قدرة جميع شعوب وأمم الأرض في الحصول على مداخل إلى الغذاء الكافي في جميع الأوقات، لكي يتمتعوا بحياة صحية جيدة تمكنهم من العمل لتحقيق أوضاع أفضل لأنفسهم ولأسرهم. وتوضح لنا المعلومات المتوافرة، أن ما يزيد على المليار ونصف المليار من البشر في العالم النامي، خاصة في قارة أفريقيا، يفتقدون إلى الغذاء الضروري للعيش والتمتع بحياة عادية. في عالم اليوم لا توجد مشكلة تنمية أعتى من تحقيق الأمن الغذائي لشعوب الأرض، إن افتقاد الشعوب الفقيرة للأمن الغذائي ذو دلالات خطيرة، قد تؤدي إلى زوال العديد من دول هذه الشعوب على المدى البعيد، لأن عدم قدرة هذه الدول على توفير الأمن الغذائي لشعوبها يعني عدم القدرة على الوفاء بأهم التزاماتها تجاههم، الأمر الذي لابد وأن يؤدي في نهاية المطاف إلى زوال الدولة. ويعتقد بعض خبراء الاقتصاد الغربيين أن محاولة توفير الغذاء يمكن أن يتم النظر إليها على أنها استثمار في الرأس مال البشري الذي من شأنه أن يؤدي إلى مجتمعات أكثر قدرة على الإنتاج، فأي شعب يحصل على الغذاء الكافي يصبح شعباً مكتمل الصحة والنشاط، الأمر الذي يجعله في نهاية المطاف أكثر قدرة على المساهمة الفعالة في التنمية الاقتصادية. ومما لاشك فيه أن مسألة القضاء على الفقر في العالم النامي، ترتبط بالتنمية التي تتحقق، وحتى الآن تبدو عملية التنمية بأنها نسبية، وتدور حول طبيعتها نقاشات واسعة وشروح تتعلق بفشل الجهود الخاصة بتحقيقها. وقد أخذت تلك النجاحات حيزاً واسعاً من وقت وجهود المختصين الذين يقومون بها، وخرجت حول ذلك العديد من الكتب والمؤلفات والبحوث والتقارير وأوراق العمل. وإلى الآن يبدو أن محاولات دول العالم النامي لحل مشاكل الفقر وتحقيق التنمية، تعتمد إلى حد كبير على نقاشات فكرية نظرية ربما لا يمكن تحقيقها على أرض الواقع. وبرغم أن نظرية التخلف ذاتها توحي لنا بوجود وحدة في النظرة إلى التنمية ومعالجة مشاكل الفقر، فإن ذلك يحمل في مضمونه نفياً لوجود اختلافات حقيقية ومهمة بالنسبة لهذه المسألة. تعدد الرؤى حول هذه المسألة له أهمية ويعتبر أمراً مبرراً إلى حد بعيد، لأنه يسمح لنا بالقيام بمعالجات منهجية ومتسقة لقضايا الفقر واحتمالات القدرة على حل المشكلات المرتبطة بها في سياق التغيرات الحاصلة في بلاد العالم النامي. ونظراً لضعف إمكانيات معظم دول العالم النامي على كافة الأصعدة، فإن بعض دوله لم تصبح ذات صوت مسموع في شؤون العالم، حتى بالنسبة للقضايا التي تخصها، فحتى الآن فإن معظم دول العالم النامي إما أن تكون خاضعة للنظام الرأسمالي المسيطر عليه من قبل دول الغرب الصناعية، أو أن هذه الدول قد تم النظر إليها على أنها ليست صاحبة علاقة بما يجري في عالم اليوم. وعلى صعيد الكثافة السكانية، لا يحتوي العالم النامي على أكبر عدد من سكان العالم فقط. ولكن أعداد سكان دوله تنمو بسرعة أكبر أيضاً، خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار كلاً من الصين والهند. وعلى الصعيد الاقتصادي يتركز في دول العالم النامي أكبر قدر من القوة العاملة في عالم اليوم، وأكبر الأسواق المستهلكة فيه. أما على الصعيد السياسي، فإن القوة السياسية الحقيقية تكمن في يد دول الغرب الصناعي التي تتحكم في كافة القرارات المصيرية لدول العالم الأخرى بما في ذلك القرارات المتعلقة بحل مشاكل الفقر. لذلك يمكن القول، إن حل مشكلة الفقر في الدول الفقيرة ليست قضية خاصة بها بشكل محض، فبرغم من أن لنخب هذه الدول السياسية والاقتصادية دور في نهب شعوبها إلا أن الأطراف الكبرى المتحكمة في اقتصاد وسياسة العالم المعاصر، تتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية تجاه هذه الشعوب. ومواجهة هذه المسؤولية لا تتعلق بتقديم الهبات والمعونات والمساعدات العينية، وإنما ترتبط بشكل جذري بتقديم يد العون للشعوب الفقيرة لكي تساعد نفسها على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، وتحقق لذاتها تنمية حقيقية ترفع عن كاهلها المشاكل المتعلقة بالفقر.