مع تباشير الأمطار المبكرة في الكويت، بدأت الحياة على الأرض تتبدل، وبرد الجو وأصبح لطيفاً، حتى مزاج الناس يتغير مع المطر وقلائد الخير و"الوسم"... أشياء كثيرة تتبدل في مختلف المواسم، إلا السياسة في عالمنا –قاتل الله السياسة! سألني ابن أخي: "إلى أين ولم لا تبقَ معنا في البر؟"، قلت سأعود حيث "الحضارة" والتكنولوجيا والإنترنت لأكتب مقالتي هذه، فقال: "كفانا سياسة، اكتبْ عن البر"، وبقيت كلمات طلبه ترن في أذني: كيف نكتفي من السياسة في عالمنا، وبالتحديد في منطقتنا، نشأنا على القضية الفلسطينية، ثم الحرب الأهلية اللبنانية، فالحرب العراقية- الإيرانية، فاحتلال الكويت ثم تحريرها، ثم تحرير العراق فاحتلاله... واليوم نتابع مجازره ومذابحه الأهلية. لم يتوقف دولاب السياسة والتوتر في منطقتنا منذ نعومة أظفاري، نشأنا على الحروب والغزو والاحتلال والتهديد، ولم ننعم بعقد من السلام في هذه المنطقة أبداً... "اللوم على أميركا والاستعمار والصهيونية، والوجود الأميركي هو سبب التوترات والحروب". هذا هو التعليل الذي يطرحه كافة العرب والإيرانيين. صحيح، هم ليسوا بأبرياء، ولكنهم لا يتحملون كل اللوم... يقولون إنهم من أشعل الحرب الأهلية اللبنانية للقضاء على البندقية الفدائية الفلسطينية، ولكن، هل هم وراء حسن نصرالله وتهديده الأخير قبل يومين بالنزول إلى الشارع للقضاء على الحكومة اللبنانية؟ يقولون إن الأعداء وراء إشعال الحرب العراقية- الإيرانية! يا سلام، ولكننا كنا نقول إنها قادسية صدام قائد الأمة والقائد "الضرورة"؟ اتهمنا أميركا بتحريض صدام على غزو الكويت! ومن قال لصدام أن يكون عرضة للتحريض مثل الطفل العابث؟ وهل الذبح في العراق والتطهير الطائفي بين طوائفه من صنع أميركا؟ بسذاجة، نعم، لكنَّ القتلة عراقيون، والضحايا عراقيون أيضاً!! لا جواب! جرت قبل أيام مناورات بحرية كبيرة شاركت فيها خمس وعشرون دولة في منطقة الخليج بقيادة الولايات المتحدة، بعدها بقليل أجرت إيران مناورة بحرية وبرية جربت فيها صاروخ "شهاب 3" الذي يصل مداه ألفي كيلو متر وقادر على حمل رؤوس نووية! لولا الوجود العسكري الأميركي لما استعرضت إيران عضلاتها التي لا تقصد بها تهديد جيرانها العرب، منطق بسيط... لكن إيران احتلت جزراً عربية عام 1971 حين كانت حليفة لأميركا، واستمرت في احتلالها ورفضت أي جهود تسوية سلمية لإنهاء المشكلة بعد أن أصبحت "عدواً" لأميركا!! لا بل إن إيران ترفض أن يكون لأي كان رأي مخالف لسياستها بالتدخل في لبنان أو العراق أو الخليج،.. قبل أيام، ثارت ضجة إعلامية في الكويت على تصريحات الملحق الإعلامي الإيراني في السفارة الإيرانية في الكويت الذي اتهم "بعض" الكتاب الكويتيين بالتوافق مع السياسة "الصهيونية الإمبريالية" في المنطقة. التصريحات أثارت استياء الصحافيين الذين أصدروا بيان إدانة لها عبر نقابة المراسلين والصحافيين الكويتية، وطالبوا حكومتهم بإعلان الرجل شخصاً غير مرغوب فيه persona non-grata. لا جدال في أن التواجد العسكري المكثف في منطقة ما يسبب توتراً في تلك المنطقة، ولكن غياب التواجد العسكري الأميركي في منطقة الخليج لم يمنع الحروب الضروس عنها... تمنيت لو أني أقضي أياماً في البر بعيداً عن السياسة وهمومها، ولكنها لاحقتني في كل مكان، حتى في الفيافي والقفار تلاحقك السياسة بالأخبار، كان السير في الصحراء مصدراً للإلهام، وهدوء النفس والسكينة، وينصح به أطباء النفس لتخفيف التوتر وضغوط الحياة وأعباء متابعة السياسة. صدق الشاعر الشعبي الأمير أحمد السديري –رحمه الله- حين قال: الرجل لا ضاقت لياليك سجها *** عسى تواليها تبشر بالافراج.