تعد الولايات المتحدة الأميركية رائدة العالم اليوم في التطوير والتحديث في شتى الميادين فمن العلوم إلى الفنون وحتى الوجبات السريعة نجد العالم يلهث وراء التطورات التي تنادي بها الولايات المتحدة الأميركية، ومن لا يتبعها باختياره ورغبة منه قد يجبر على ذلك، ونشر الديمقراطية أحد الشواهد على ذلك، فهي تقود العالم اليوم في مجال التسليح وقوات التدخل السريع. بعد هذه المقدمة دعونا نعرج على موضوعنا اليوم وهو تخلف أميركا في مجال التربية، فقد قررت إدارة الرئيس جورج بوش منح مديري المدارس العامة "الحكومية" في أميركا حق فصل الصفوف بين الجنسين، هذا القرار يعد من أكبر التعديلات التي أدخلتها الحكومة الأميركية على النظام التعليمي منذ أن أقرت عام 1975 مبدأ الفصل بين الجنسين في مادة التربية الجنسية. القرار الجديد يعطي مديري المدارس حق تقرير ما إذا كان من الأفضل الفصل بين الجنسين حسب المادة التعليمية. وفي تعليقها على القرار بينت وزيرة التربية الأميركية "مارغريت سبيلنغ" أنه يأتي انسجاماً مع حق كل طالب في الولايات المتحدة في الحصول على تعليم جيد، وحق الهيئة التعليمة في امتلاك الوسائل التي تحقق هذا الهدف؟ وقد تم اتخاذ هذا القرار بعد دراسات متأنية أثبت الإحصاء فيها أن أداء المتعلمين يكون أفضل في الفصول غير المختلطة جنسياً وبالذات في مادتي الرياضيات واللغات الأجنبية. هكذا هي أميركا، لا يمنعها أمر من التعديل وفق المعطيات والمستجدات سواء في السياسة أو التربية، أما عن العرب فإليكم ما قاله البعض؟ نحن العرب في تصوري نكون ملوكاً أشد من الملوك متى ما طبقنا أمراً فمن العسير علينا التراجع عنه ولو كان من أكبر الأخطاء التي قد يقع فيها إنسان وشعار العرب القديم المتجدد "إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون" صدق الله العظيم. أحد المسؤولين العرب علق على هذا القرار الذي نشر في أجهزة الإعلام الأميركية بقوله: لماذا يجب علينا أن نتبع أميركا في كل شيء فلو تخلفت أميركا ورأت أن الفصل بين الجنسين هو الأفضل فهذا قرار اتخذ لمصلحة خاصة في أميركا، ولن نتبعه لأننا لا نتبع أميركا في كل خطواتها. أوليس الأمر مضحكاً بلى، لكنه يذكرني عندما انهار الاتحاد السوفييتي ومعه الفكر الشيوعي بقول أحد أنصار المدرسة الماركسية في العالم العربي، لم يكن الخطأ في النظرية لكنه في التطبيق! نعم هكذا العرب يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، فنأخذ في أميركا ما نشاء وبالذات الأمور التي تتعارض مع بعض قيمنا، لكن لو أن أميركا تبعت بعض ما نؤمن به فنحن على استعداد كي نعارض أنفسنا ونفعل عكس ما ينبغي؟ أتذكر مرة في إحدى الدول الغربية ضحك علي عدد من التربويين من أساتذة الجامعة لديهم عندما عرفوا أن نظام التعليم في دولة الإمارات يفصل بين الجنسين في المدارس وحتى التعليم العالي، فقلت لهم إن ذلك لأهداف أكاديمية ترتبط بالمتعلمين فظاهرة المدارس غير المختلطة موجودة في المملكة المتحدة وحتى في أميركا قبل هذا القرار، لكن كيف سينظر الآخرون إلى قرار الولايات المتحدة الجديد في ظل تزايد أعداد المدارس التي تفصل بين الجنسين في أميركا، فقد كانت 4 مدارس سنة 1998 أما اليوم فهي أكثر من 220 مدرسة؟ إن ظاهرة التجديد في التربية ترتبط بلاشك بجذور المجتمعات وهويتها وأبعادها الثقافية الخاصة ومن أكبر الكبائر في المجتمعات التي تنشد التغيير التربوي نقل التجارب على ما هي عليه دون النظر إلى خصوصيات دولنا العربية، نعم لقد وقفت أميركا وقفة علمية بهذا القرار فهل من مستمع في العالم العربي، ومن يتحجج بالبعد الاقتصادي عليه أن يبدأ بالفصل على مستوى الحصص والدروس إن لم يكن الأمر ممكناً على مستوى المدارس لأن الحق أحق أن يتبع؟