في البحث عن الأسباب الحقيقية التي تقف وراء الارتفاع المتنامي للإيجارات في مختلف إمارات الدولة، يتواصل الحديث والنقاش بين الحين والآخر، كما ويتزامن ذلك مع عجز المحاولات التي تبذلها الدوائر المحلية في وضع حدّ لهذا الارتفاع الذي تضاعفت قيمته حتى سجلت في الكثير من الأحيان نسبة 100%. كما تستبعد الكثير من التقارير المنشورة وجود علاقة بين مشكلة ارتفاع الإيجارات بقانون العرض والطلب، بدليل أن الإعلانات عن الشقق والعقارات السكنية تملأ صفحات الجرائد وملاحقها يومياً، وكذلك بدليل الانتشار الواسع والمتزايد لمكاتب العقارات وسماسرتها، بعضهم مخالفون يعملون بعيداً عن مكاتب العقارات، وهم الأكثر نشاطاً وقدرة على الحصول على تلك الشقق، وتبقى مشكلة الحصول على شقة للسكن معتمدة بالدرجة الأولى على القدرة المالية للمستأجر. فالشقق لمن يستطيع أن يدفع الإيجار الجديد الذي يحدده المستثمر. وهذا يعني أنه مهما تم الانتظار لحين الانتهاء من اكتمال بناء بعض البنايات والأبراج، فإن قضية ارتفاع الإيجارات لن تُحلّ، لأنه لا علاقة لها بقانون العرض والطلب، فللمشكلة أسباب أخرى. ومؤخراً، بدأ الحديث بأن النواطير "حراس البنايات"، وهم المتغيّر الجديد الذي دخل سوق العقارات في غفلة من الجهات المعنية: البلدية وغرفة التجارة، وهو متغيّر لا يمكن الاستهانة بتأثيره في اضطراب سوق العقارات بعد أن خبروا حاجة الناس للشقق، فقاموا باستغلال تلك الحاجة والاحتيال عليهم بالتنسيق مع المكاتب العقارية والسماسرة المستقلين، بعد أن يغروا ملاك البنايات بإعطائهم مبالغ كبيرة لمدد تزيد على السنة، حتى يتمكنوا من الحصول على أكبر كمية من الشقق المعروضة في السوق بالكامل، ليعاودوا تأجيرها بعد إجراء الصيانة وإدخال بعض التحسينات، وبالتالي إضافة الرسوم، التي تفوق في بعض الأحيان ضِعف الإيجار، وهو ما قد يؤدي إلى مآسٍ كبيرة اجتماعياً واقتصادياً. وربما تصريحات مدير إدارة الإيجارات بإدارة المباني التجارية في بلدية أبوظبي، حول معاقبة النواطير الذين يقومون بتأجيرٍ من الباطن، أو عن طريق إخفاء المعلومات المتعلقة بتوافر الشقق، تؤكد أن تجاوزات هؤلاء النواطير تسببت في اضطراب سوق العقارات. ولا يمكن إنكار تأثير النواطير على استقرار أسعار الشقق، حتى ولو كان بسيطاً، بل إنهم في مرات كثيرة أثبتوا أنهم يستطيعون أن يتلاعبوا بالأسعار. كونهم يعملون بالتنسيق مع سماسرة المكاتب العقارية، وبعيداً عن أخلاقيات المهنة والقانون، وعليه لا يمكن اختصار المشكلة في عامل وحيد أيضاً، فهناك الكثير من الخيوط أصبحت متداخلة ومتشابكة نتيجة التأخير في تدخّل الجهات المعنية. لذا، فقضية ارتفاع الإيجارات ومخاطرها، الاقتصادية والاجتماعية، تحتاج إلى الوقوف بحزم، خاصة بعد إفرازها للظواهر التي تعتبر دخيلة على الدولة مثل "خلوّ رِجل" ووجود سماسرة مخالفين لقانون ممارسة المهنة، وظهور الشقق الفندقية، التي هي أفضل طريقة، تم اكتشافها مؤخراً بأنها أفضل وسيلة يمكن من خلالها التجاوز على قانون النسبة السنوية المقررة من قبل بعض الحكومات المحلية. إن خطورة الصمت على انتشار هذه الظواهر وإفرازاتها، خاصة في المدن الرئيسية بالدولة يمثل ضوءاً أخضر لانتشارها على نطاق أوسع وتكتسب مزيداً من "المشروعية" بقوة الأمر الواقع، وهناك مؤشرات تدل على ذلك إذا ما تم الاستمرار في السكوت عليها، فالكثير من السماسرة يعلنون عن الشقق في الصحف التجارية، رغم أنهم مخالفون لقانون ممارسة المهنة. ــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.