كاد مقال الدكتور أحمد البغدادي، المنشور هنا يوم الثلاثاء الماضي يقتصر على الأسئلة، التي في كل واحد منها يتساءل، على سجية العنوان: "لماذا؟". ومع أنني لا أرى مانعاً من أن يقتصر المقال على إثارة الأسئلة دون اقتراح إجابات، تاركاً للقارئ التفكير في ذلك، إلا أنني أرى أن الكاتب الكريم قد بالغ أحياناً كثيرة في اتهام الثقافة العربية بشكل مبطَّن من خلال تساؤلات عن أشياء وظواهر يأخذها هو على أنها مُسلَّمات، وهي ليست بالضرورة كذلك. ومن ذلك تساؤلاته مثلاً: "لماذا يعتبر المسلمون الأقلية الوحيدة في العالم التي لا تندمج مع قيم الحداثة الغربية؟"، و"لماذا نعتبر أنفسنا مالكي الحقيقة المُطلقة؟"، و"لماذا لا نزال إلى اليوم نرفض الحوار والاعتراف بالآخر؟"... الخ. وأنا أسأل الكاتب: من قال إننا نرفض الاندماج في الحداثة؟ ومن قال إننا نزعم امتلاك الحقيقة المُطلقة؟ ومن قال إننا نرفض الاعتراف بالآخر؟ مشكلة الدكتور البغدادي أنه ينطلق من مقدمات محل شك ويتعامل معها على أنها حقائق أزلية أبدية، لا تحتاج هي نفسها إلى برهان، ومن ثم يبني عليها أحكامه، فتأتي النتيجة طبعاً غير مؤكدة ومحل أخذ ورد، هذا في حين يعتبرها هو حقيقة مُطلقة، وهي طبعاً ليست كذلك. إن مأزق بعض كتابنا في تعاملهم النقدي مع الثقافة العربية منشؤه هو عدم المنهجية الدقيقة والانسياق وراء التعميم، والانطلاق من ظواهر جزئية سلبية توجد في أي مجتمع بشري وإلباسها للثقافة العربية خاصة، في تعميم مبني على استقراءات ناقصة وغير مُنصفة أيضاً. منصور زيدان - دبي