يدرك الجميع وبالأخص أهل السياسة، أن استقرار منطقة الخليج يعد من الأمور المهمة لاستقرار بقية مناطق العالم، وذلك من خلال الدور الاستراتيجي الذي تلعبه هذه المنطقة، كونها تمثل المصدر الرئيسي لتوريد الطاقة (النفط والغاز الطبيعي) للعالم، خاصة أن المنطقة ومنذ بداية عقد الثمانينيات من القرن الماضي، عانت كثيراً من عدم الاستقرار الأمني والسياسي، كونها شهدت طوال هذه الفترة أربعة حروب رئيسية، هي الحرب العراقية- الإيرانية والغزو العراقي للكويت وحرب التحالف الدولي على العراق والغزو الأميركي للعراق، والتي نتج عنها الكثير من الأضرار البشرية والمادية والسياسية والأمنية، أهمها تعاظم دور الوجود العسكري الغربي وبالأخص الأميركي في المنطقة. وإذا كانت تلك الحروب قد جلبت حالة شديدة من عدم الاستقرار خلال الربع الأخير من القرن العشرين، فإن تداعيات الملف النووي الإيراني ستشكل حالة أكثر خطراً في السنوات القادمة من القرن الحادي والعشرين، مع وجود السلاح النووي الإسرائيلي في المنطقة، خاصة إذا استمرت تداعيات هذا الملف على ما هي عليه الآن، وتوصلت إيران إلى الهدف الذي تسعى إليه، أي امتلاك السلاح النووي وصناعة القنبلة النووية. والإشكالية الأهم في ذلك التوجه الاستراتيجي الإيراني نحو امتلاك السلاح النووي، هي أن دول الخليج ليست لديها ثقة في الخطاب الإيراني، لأنها تؤمن من خلال تجارب عديدة، أن أهداف إيران هي امتلاك السلاح النووي لتحقيق طموحاتها السياسية والاستراتيجية لخلق حالة من التفوق والهيمنة على المنطقة وإحداث حالة من التوتر الدائم والإخلال بالتوازن الإقليمي في المنطقة، وأبسط مثال على ذلك ازدواجية هذا الخطاب في قضايا ومواقف مختلفة: 1- إصرار إيران على التمسك ببرنامجها النووي، رغم أنها تعتبر من أوائل الدول الموقّعة والمصادقة على جميع المعاهدات الدولية الخاصة بحظر تطوير وإنتاج أو تخزين أسلحة الدمار الشامل بأنواعها، النووية والكيميائية والبيولوجية. 2- التناقض الشديد في لغة الخطاب السياسي الذي تتعامل به إيران مع جيرانها ومع المجتمع الدولي أيضاً، أعني بذلك التصريحات الرسمية الصادرة عن القيادة الإيرانية بخصوص الإصرار على الاستمرار في استكمال البرنامج النووي رغم الأخطار الكبيرة والكثيرة التي سيجلبها ذلك لمنطقة الخليج بأكملها، والذي يتناقض تماماً مع ما قاله العديد من القيادات الإيرانية، وما قاله المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي في خطبة الجمعة 5/11/2004: "إنه لا يجوز في الإسلام أن تصنع إيران السلاح النووي أو أن تمتلكه، إن صنع وامتلاك السلاح النووي واستخدامه يطرح مشكلة. ولقد أعربت عن قناعتي الدينية في هذا الصدد والجميع يعلم بذلك". وأيضاً مع ما قاله الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد: "إن إيران لا تريد إنتاج السلاح النووي وهي ليست بحاجة إليه، لأنه يستخدم لظلم الآخرين". وما قاله مستشار الأمن القومي الإيراني الدكتور علي لاريجاني في حوار صحفي نشر بتاريخ 29/10/2006: "نحن لا نحتاج لتصنيع قنابل نووية، لأن إيران تعد أقوى دولة في منطقة الشرق الأوسط ولا تحتاج إلى هذا السلاح". إن أخطر ما في تداعيات الملف النووي الإيراني والسلاح النووي الإسرائيلي في المنطقة، ليس فقط خلق حالة من عدم الاستقرار الأمني والسياسي والتأثيرات البيئية الخطيرة على إنسان المنطقة، بل زيادة انتشار السلاح النووي في المنطقة. وهذا ما حذر منه الدكتور محمد البرادعي مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية عندما قال بوضوح: "إن هناك 30 بلداً ربما تمتلك القدرة على إنتاج أسلحة نووية، إضافة إلى الدول التسع التي تمتلك حالياً ثلث أسلحة الدمار الشامل". لذلك فإن مبادرة دول الخليج العربي، والتي تبلورت في إعلان "الخليج منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل"، والتي تعود بداياتها إلى أكتوبر 2004، هي الحل الأمثل والذي يجب تفعيله الآن، خاصة وأنها تجربة تتميز بسمتين: 1- كونها تشمل منطقة الشرق الأوسط بأكمله ودون استثناء. 2- أنها تستند في مصداقيتها ودوافعها إلى العديد من التجارب الناجحة؛ مثل تجربة قارة أميركا اللاتينية (33 دولة)، وتجربة إعلان القارة الأفريقية (52) دولة، واللتين أعلنتا كمنطقتين خاليتين من الأسلحة النووية، علاوة على تجربة تفكيك الترسانة النووية لبعض جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق.