في الذكرى الثانية لرحيل الشيخ زايد "رحمه الله" تتوارد إلى أذهاننا خواطر تحيي مكامن العطاء في أمة نذر زايد نفسه من أجلها فمن عاش للآخرين فلن يموت ما دامت الحياة مستمرة. لم يكن زايد "رحمه الله" إنساناً عادياً مع بساطته في جميع مراحل حياته، فقد كان ممن شقوا في قلوبنا طريقا نيِّراً إلى العطاء المتواصل، فهو من حث الأجيال المتعاقبة على الاغتراف من نبع العلم لأنه آمن بأنه السبيل الوحيد لنمائه وتطويره دائماً. فتاريخ الإمارات بالاتحاد المصنوع من عرق زايد عندما حفر أول بئر في مدينة العين أرسل إلى المستقبل المُشرق بشائر الاخضرار التي عمت بعد ذلك جميع أرجاء الدولة الشامخة بشموخ جبهة زايد وأبنائه الكرام الذين يطيلون حياته بيننا بأعمار مديدة من فيض ذلك النبع الذي لا ينضب. فزايد الخير منذ حل في قلوبنا بذوراً للنماء فإنه لن يرحل عنا فهو دائم الشخوص أمام أبصار عقولنا نستمد من ذكراه وقوداً وسنداً معيناً لنا على لأواء الزمن إذا استصعب وضاقت علينا حلقاته. منذ رحل عنا من دنيا الوجود المادي لم نشعر يوماً بأنه غاب عن دنيا وجودنا، فإنه قد بنى فينا معالم لا تخفيها ناطحات السحاب ولا غيرها من أنواع البنيان، فنحن في هذه الأيام أشد حاجة إلى بعض معالمه التي أضاء بها طريق المعجزات في تحقيق المنجزات. فزايد رحمه الله لم يكن في يوم ما صورة محصورة في برواز محدد لأننا جعلنا له في قلوبنا إطاراً لا يغادره أبداً ما دامت الأرواح لم تفارق الأجساد. ترى ما هي أهم صناعات زايد لهذا الوطن مقارنة بكل الإنجازات التي يتحدث عنها الغريب قبل الحبيب؟! فالصناعة التي أجادها وبرع فيها وقل من يجيدها من رجالات التاريخ هي صناعة الإنسان بكل ما يحمل في طياته من إنسانية تفوق حد التسويق والبهرجة الخادعة ولسان البسطاء هنا هو الحكم قبل ألسنة غيرهم. كم من الرجال غيبهم التاريخ ولم يكونوا نكرة في أممهم إلا أن رجال الصناعات الثقيلة في البشرية للمعاني النبيلة يرفعون من شأن التاريخ ذاته فكلما ذكروا تشرف التاريخ ذاته بذكرهم فهذا زايد صانع الأجيال التي ورثت أنفاس الاتحاد من أنفاسه الحرة. ما الذي مكن دولة الإمارات اليوم من الانطلاق إلى العالمية أمام جحافل الإمبراطوريات التي سادت العالم إلى يومنا القريب وإن زال معظمها من الوجود الحضاري. لقد بنى زايد "رحمه الله" القواعد الأساسية والمتينة لهذه الانطلاقة المشهودة لها في جميع المحافل الدولية، فقلما تزور دولة وتغفل عيناك عن أثر واضح وعميق لزايد في الشعوب المحبة لنداء الإنسانية والسلام والسلم العالمي. نحن جيل الاتحاد منذ البداية كم نحن بحاجة إلى إعادة القراءة لكل كلمة تفوه بها بعفويته وفطرته البدوية النقية من كل الرتوش الزائفة، فكان من أواخر ما تردد على مسامعنا وكان له الأثر الذي لم يحدثه في ذلك اليوم وحده بل ظلت آثاره الإيجابية مع مرور الزمن هي كلمته في شهر رمضان حول حكمته من استقطاب علماء الأمة من كل بقاع الأرض للمساهمة في تقوية وعي المسلم بحقيقة إسلامه فهو القائل: فما جدوى الوعظ إذا لم يغير الإنسان إلى الأحسن أو باستخراج أفضل ما فيه من خير لصالح البشرية، وهذا هو هدف الإسلام الحقيقي فالوعظ الذي تستقبله الأذن اليمنى وتطرده الأذن اليسرى لا خير فيه. د. عبدالله العوضي