انهمر وابل من الرصاصات والأحجار على شوارع مدن بنجلاديش نهاية الأسبوع الماضي، مفاقماً من خطورة الأزمة السياسية التي قد تهدد الانتخابات القادمة في يناير. ورغم أنه قد أمكن حتى الآن تجنب تلك الأزمة، فإنه لا تزال هناك مزالق قد يتبين فيما بعد أنها كانت بمثابة هدية لأحزاب بنجلاديش الإسلامية، كما يقول المراقبون. ففي يوم الجمعة الماضي، انتهت رسمياً فترة ولاية حكومة "الحزب القومي البنجالي" الذي تولى السلطة عام 2001 حين دخل في ائتلاف مع "حزب رابطة عوامي"، وهو الائتلاف الذي استمر لخمس سنوات. ومن المعروف أن دستور بنجلاديش ينص على قيام حكومة مؤقتة(غير حزبية) بتدبير الأمور، إذا ما استقالت أو انتهت فترة ولاية الحكومة القائمة، وقيادة البلاد نحو الانتخابات التي ستجري في شهر يناير القادم. ويشار إلى أن الزعماء السياسيين من "الحزب القومي البنجالي" الحاكم و"حزب رابطة عوامي" المعارض، قد دخلوا في منازعات استمرت عدة أيام خلال الأسبوع الماضي حول من منهما سيرأس حكومة تصريف الأعمال، وفي الوقت نفسه قام ناشطو الحزبين بالدخول في صراعات وأعمال عنف أسفرت عن مصرع 18 شخصاً وإصابة المئات، وذلك قبل أن يؤدي الرئيس الحالي للبلاد "عياض الدين أحمد" اليمين الدستورية كرئيس للحكومة المؤقتة. ورغم أنه يبدو أمامنا الآن وكأنه قد أمكن تجنب تلك الأزمة، فإن المراقبين يحذرون من القفز إلى استنتاجات متفائلة. فالأيام التي ستسبق انطلاق الانتخابات في يناير قد تكون حافلة بالعنف، وهو ما يمكن أن يصب في مصلحة الجماعات الإسلامية في بنجلاديش التي تعتبر ثالث أكبر دولة إسلامية في العالم. وهكذا يستمر تقليد قديم للعنف السياسي في بنجلاديش مهدداً بمفاقمة أزمة يصعب على البلاد مواجهتها، خصوصاً إذا ما أخذنا في اعتبارنا الزيادة السريعة في حجم القوة السياسية للإسلاميين، وثقافة عدم التسامح التي انتشرت في البلاد خلال السنوات الأخيرة. ومع ذلك، فإن بنجلاديش لا تزال تعتبر دولة إسلامية معتدلة، رغم أن الإحباط قد وصل فيها إلى مستوى لم يصل إليه من قبل. ويعود سبب ذلك إلى أن التقاليد الليبرالية المترسخة فيها، عملت كواق من التفسيرات المتشددة للإسلام. بيد أنها شهدت في الوقت نفسه، شيئا شبيهاً إلى حد ما بما حدث في الضفة الغربية وقطاع غزة والصومال، وهو نجاح حزب "الجماعة الإسلامية" باستغلال قصور الحكومة والحلول محلها في تقديم الخدمات العامة للمواطنين. ولحظات المصالحة نادرة- وعادة ما تكون عابرة- في تاريخ بنجلاديش السياسي الطويل، فالدولة نفسها ولدت في بحر من الدماء عندما سعت إلى نيل الاستقلال عن باكستان بالقوة عام 1971. ومنذ ذلك التاريخ سيطرت الحزازات السياسية المريرة التي نشأت بين الحزبين الرئيسيين في البلاد، "الحزب القومي البنجالي" و"حزب ورابطة عوامي"، على الفضاء السياسي، وأفرزت ثقافة الصراع. ويمثل صعود حركات الإسلام السياسي والجماعات الأصولية، فصلاً جديداً نسبياً ومزعجاً في الآن ذاته، في تاريخ التطور السياسي للبلاد... وهو فصل يلقى الضوء على الدور الذي يمكن أن تلعبه الأحزاب الديمقراطية من خلال تنافسها المرير في تعطيل الديمقراطية، بل وإيقافها. فأي حزب من هذين الحزبين تعود أن يقوم، عندما يكون خارج السلطة، بمقاطعة البرلمان والدعوة إلى تنظيم إضرابات تشل البلاد تماماً. وهو الصراع المرير الذي استفادت منه أحزاب الإسلام السياسي، بل خرجت منه بدروس تمكنت من خلال الاستفادة منها أن تصبح أكثر قدرة وفعالية في مسائل الحكم. وهذه الكفاءة وتلك الحزازات السياسية السائدة بين الحزبين الرئيسيين، كانت في صالح "الجماعة الإسلامية" بدون شك. وهكذا فإن "حزب بنجلاديش القومي"، وفي إطار سعيه بأي ثمن لمواجهة "حزب رابطة عوامي" في الانتخابات، اضطر إلى التوصل لصفقة مع الأحزاب الدينية مكوناً حكومة ائتلافية معها. وقد نتج عن ذلك فوز الحزب بالانتخابات وحصول "حزب الجماعة الإسلامية" على 18 مقعداً في البرلمان. وقد نمت قدرة "الجماعة الإسلامية" على إبراز الأجندة الإسلامية بشكل كبير، لدرجة أنها أصبحت الآن قادرة على السيطرة على عدد من الوزارات الرئيسية، ورعاية طائفة من المنظمات الخيرية، والمدارس الأهلية والدينية، كما تمتلك عدداً ضخماً من المشاريع التجارية. ويصر زعماء "حزب الجماعة الإسلامية" على أن الحزب ملتزم بالديمقراطية، وأن هدفهم في النهاية هو تكوين حكومة إسلامية من خلال صناديق الاقتراع. غير أن العديد من المراقبين يقولون إن صعود الجماعة، كان سبباً في مناخ عدم التسامح والنزوع للعنف الذي أصبح سائداً في البلاد، كما يعرب كثير من هؤلاء المراقبين عن خشيتهم من أن يؤدي التنافس المرير بين "الحزب القومي البنجالي" وبين "حزب رابطة عوامي" إلى لجوء كل حزب من الحزبين إلى الاصطفاف مع أحزاب الإسلام السياسي بدلاً من الائتلاف مع بعضهما، مع ما قد يؤد إليه ذلك من أضرار على الخطاب السياسي للأحزاب وللدولة بأسرها. وفي الوقت الذي تتنازع فيه الأحزاب الرئيسية على تحقيق مكاسب قصيرة الأجل، فإن العنف المنتشر في بنجلاديش، من النوع الذي شهدناه في نهاية الأسبوع الماضي، يجعل "حزب الجماعة الإسلامية" يبدو وكأنه مصمم على تحقيق رؤيته مهما كلفه ذلك من جهد. وحول هذه النقطة يقول السيد قمر الزمان: "إن الحزب يؤمن بتغيير مستقبل الشعب، ولكن هذا لا يمكن أن يتم بين عشية وضحاياها وإنما بالتدريج... وسوف نحظى بدعم الشعب في النهاية". ديفيد مونتيرو ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"