وسط الأزمات التي يواجهها بوش، وفضيحة الجنس التي هزت الكونجرس، واقتراب انتخابات التجديد النصفي، مرر الكونجرس الأميركي بأغلبية ساحقة ودون مناقشات كثيرة وبتغطية إعلامية محدودة، تشريعاً مصيرياً يضع الأمة الأميركية مجدداً على طريق الحرب. وهذا الشيء ليس بالجديد، حيث قام ثلاثة أرباع أعضاء مجلس النواب وجميع أعضاء مجلس الشيوخ منذ ثماني سنوات بالتصويت لصالح تشريع يدعو إلى تغيير النظام في العراق، وهذا هو ما حدث الآن في الكونجرس ولكن مع إيران هذه المرة. فمنذ أربعة أسابيع قام الكونجرس بتقديم قانون وقع عليه بوش يدعى "قانون دعم حرية إيران" وهو يكاد يتماثل في روحه مع "قانون حرية العراق" الصادر 1998، حيث يمنح تفويضاً بفرض عقوبات ضد أية دولة تساعد البرامج النووية الإيرانية. وهناك موضوعان ساهما في التغطية على التصديق على هذا القانون هما فضيحة الجنس المتهم بها "مارك فولي" النائب الجمهوري عن ولاية فلوريدا، والتجربة النووية التي أجرتها "بيونج يانج" مؤخراً. وإذا ما قدر للمواجهة الحالية مع إيران بشأن برنامجها النووي أن تنتهي بالحرب فإنني أراهن من الآن على أن هذا القانون سيتم الاستشهاد به كدليل على أن الكونجرس قد وافق على شن مثل هذه الحرب. يذكر أن إيران قد حلت في الوقت الراهن محل العراق باعتبارها أخطر تهديد يواجه الولايات المتحدة، وأن هناك الكثيرين من كبار المسؤولين العسكريين والمدنيين في واشنطن ممن يعتبرون أن السؤال لم يعد حولما إذا كانت الولايات المتحدة ستقوم بشن الحرب ضد إيران أم لا ، وإنما متى يتم ذلك؟ وتماماً مثلما حدث في الشهور التي سبقت شن الحرب على العراق نشهد في الوقت الراهن شبه إجماع على أن إيران مصممة على تطوير أسلحة نووية.. وتماماً مثلما حدث عام 2003 نسمع الآن أصواتاً خافتة تتساءل عما إذا كانت هناك أدلة مؤكدة على ذلك.. وتماماً مثلما حدث عام 2003 نسمع الآن تصريحات من مسؤولين أميركيين يقللون فيها من أهمية العمل الذي يقوم به مفتشو الأمم المتحدة على الطبيعة في طهران. وعملية التمهيد لشن حرب ضد إيران ملحوظة الآن في أميركا، ومثلما حدث في حالة العراق فإن تلك العملية تفتقر إلى المعرفة المباشرة والدقيقة عن العدو حيث يعتمد صناع السياسة في أميركا على جماعات المنفيين الإيرانيين المشكوك في صحة معلوماتها. ومما يجدر ذكره على سبيل الاستطراد أن "نيكولاس بيرينز" مساعد وزيرة الخارجية الأميركية، كان قد أعلن في وقت سابق من هذا العام أن هناك دبلوماسيين تابعين لوزارة الخارجية يتخذون من دول في الشرق الأوسط وأوروبا مراكز يقومون منها برصد ما يدور في إيران. وعلى ما يبدو أن الإدارة لجأت إلى ذلك بعد التصريح الذي كان قد أدلى به نفس الرجل قبل ذلك بعام وقال فيه إن هناك شخصين فقط متفرغان لدراسة ورصد ما يدور في إيران في وزارة الخارجية الأميركية. ولكن الحرب مع إيران -مع ذلك- ليست قريبة ولا حتمية بنفس الصورة التي يريد "المحافظون الجدد" -مرة ثانية- الإيحاء بها. فالقوات المسلحة الأميركية غارقة في المستنقع العراقي، علاوة على أن عدد سكان إيران الكبير 70 مليون نسمة، واحتياطياتها الهائلة من النفط، وتحالفاتها مع منظمات إرهابية تجعل منها عدواً شديد الخطر. كذلك فإن استطلاعات الرأي التي تجري في الولايات المتحدة تبين بشكل واضح أن الشعب الأميركي ليست لديه الرغبة في خوض حرب جديدة في الظروف الحالية. وعلى الرغم من هذه العقبات، والفجوات المعترف بها في الحقائق، فإن المثير للدهشة أن نفس الشخصيات ونفس الوسائل الإعلامية ونفس المراكز التي تتبنى فكر "المحافظين الجدد" والتي كانت تروج لحرب العراق تبدو هذه المرة واثقة جداً بشأن حتمية الحرب مع إيران وحق الإدارة في شنها. ففي شهر أبريل الماضي ظهر مقال من 8000 كلمة في مطبوعة "ويكلي ستاندرد" يعدد الأسباب والمبررات التي تدعو الإدارة إلى شن الحرب على إيران، وكيف أن العقوبات والطرق الدبلوماسية محكوم عليها بالفشل، وأن قيام إيران بتطوير أسلحة نووية سيكون أكثر خطورة على أمن العالم من أية تداعيات قد تترتب على قيام أميركا بشن حرب عليها. وكاتب هذا المقال هو "مارك جيرشيت" الخبير السابق في "السي آي إيه" والمتخصص في شؤون الشرق الأوسط، وزميل معهد "أميركان أنتربرايز". وهناك أيضاً "مايكل ليدين" الباحث في معهد "أميركان أنتربرايز" أيضاً الذي قال أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الأميركي "إنه لا يمكن توفير الحرية لإيران ما لم تتم إطاحة الملالي أولاً"، وهي دعوة صريحة لتغيير النظام في ذلك البلد. وفي الوقت الذي انقلبت فيه غالبية الأميركيين ضد حرب العراق.. وفي الوقت الذي تتعرض فيه حجج بوش في مجال الأمن القومي للتفنيد والهجوم.. وفي الوقت الذي يحلم فيه "الديمقراطيون" بالسيطرة ليس فقط على مجلس النواب ولكن على مجلس الشيوخ أيضاً فإننا نجد أن الشيء الأكثر شبهاً بما كان سائداً في المناخ الذي سبق شن الحرب على العراق هو أن معظم "الديمقراطيين" قد منحوا إدارة بوش موافقتهم بشأن التصرف تجاه إيران بشكل انفرادي، حتى في الوقت الذي يجاهد فيه الدبلوماسيون في الأمم المتحدة لصياغة موقف جماعي نحو طهران. هل يعد هذا من قبيل السياسات الذكية؟ إن معظم "الجمهوريين" ومعظم "الديمقراطيين" يعتقدون أنها فكرة جيدة أن يتم رفع موضوع إيران من على الطاولة في الوقت الراهن، والتركيز على انتخابات التجديد النصفي بحيث لا يتجسد هذا كموضوع من الموضوعات الحاسمة في تلك الانتخابات. وهذا يذكرنا بقوة بقرار اتخذه العديدون منهم قبل انتخابات التجديد النصفي عام 1998، ومرة ثانية عام 2002 عندما جعلت أصوات أعضاء الحزبين التي فوضت استخدام القوة ضد العراق الحرب العراقية تبدو كموضوع غير ذي أهمية في حسم نتيجة انتخابات التجديد النصفي في ذلك العام. إن ما نأمل في حدوثه هذه المرة هو أن يظهر شخص ما كي يقرر أن الأمر يستدعي نقل المناقشة حول هذا الموضوع إلى منبر الشعب. ــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"