في هذه المدينة الصينية الحدودية الصغيرة المعزولة، لم يكن ليلاحظ أحد، متى تمكنت كوريا الشمالية من إجراء اختبارها النووي تحت الأرض، على بعد نحو 90 ميلاً هناك؟ وفي الوقت ذاته، لم يلاحظ أحد على امتداد ما يقارب الثلاثة أسابيع، أثر العقوبات الدولية التي فرضتها الأمم المتحدة على كوريا الشمالية. وقد أكد سائقو الشاحنات المارة إلى كوريا الشمالية عبر نهر "تومين"، عدم حدوث أي تغيير في إجراءات الدخول إلى كوريا الشمالية من الحدود الصينية. وذكر السائقون ومسؤولو شركات النقل الخاصة، أنه قلما فتح مسؤولو الجمارك الصناديق والشحنات المحملة إلى كوريا الشمالية، سواء في محطة "سانهي" الحدودية هذه، أم غيرها من المحطات الحدودية الأخرى المؤدية إلى كوريا الشمالية من الصين. وفي الوقت نفسه لم يلاحظ بناء أي سياجات حدودية، من شاكلة ذلك السياج العملاق المنصوب في مدينة داندونج الصينية الحدودية كثيفة الحركة. وعلى رغم تقارير صحفية مبكرة، تشير إلى فتح مفتشي الجمارك للصناديق والشحنات المتجهة إلى كوريا الشمالية، إثر الإعلان عن العقوبات الدولية التي فرضتها عليها الأمم المتحدة، فإن الإحصائيات والتقارير الأخرى الصادرة مؤخراً، تشير إلى نقيض ذلك تماماً، إذ أنها تؤكد عدم حدوث تغييرات تذكر في الإجراءات المتبعة سابقاً قبل صدور العقوبات الدولية. وعلى أي حال، فإن الأمر الواضح الذي يمكن ملاحظته هنا، هو تنامي علاقات التجارة الصينية الكورية الشمالية، بأشكال وأوجه عديدة. فلا تزال الصين تمثل أهم مانح للمساعدات الإنسانية المقدمة لبيونج يانج، وفي مقدمة الدول التي تمدها بالنفط والوقود. لكن وفي المقابل، تعد الصين من أكبر المستوردين للفحم الحجري والكهرباء من جارتها كوريا الشمالية. وفي غضون ذلك، يسعى المقاولون والمستثمرون الصينيون إلى شراء أسهم مناجم الفحم الكورية الشمالية، بل لقد سعى بعضهم للوصول إلى بحر اليابان عبر استئجار أحد موانئ كوريا الشمالية، باعتباره مركزاً ملاحياً نشطاً محتملاً. ويعد ارتفاع النشاط الاقتصادي الصيني –الذي أثار التساؤلات سلفاً حول ما إذا كان يحدث تعبيراً عن نوايا استراتيجية بعيدة المدى، أكثر من كونه انعكاساً للنشاط التجاري- باعثاً لمؤشرات مزدوجة عن المدى الذي يمكن أن تبلغه صرامة وجدية إجراءات التفتيش الجمركي، الكفيلة بتأكيد استجابة بكين للعقوبات الدولية المفروضة على جارتها بيونج يانج. غير أن الشاهد حتى الآن، أن التغيير الوحيد الذي طرأ على إجراءات التفتيش الجمركي هذه، هو ما تمارسه كوريا الشمالية في شريطها الحدودي. فهناك يشدد مفتشو الجمارك في إجراءات تفتيشهم وفحصهم للشحنات الداخلة، مدفوعين بهواجس واعتبارات أمنية، تستوجب اليقظة وفتح العيون أمام كل ما من شأنه أن يهدد استقرار نظام الزعيم كيم يونج إيل. ضمن تلك التغيرات، قال "جيانج زوشون" –وهو سائق إحدى الشاحنات العابرة بين الصين وكوريا الشمالية-: كنا سابقاً نجلس مع بعض أصدقائنا الكوريين الشماليين، في النقاط الحدودية ونتجاذب معهم أطراف الأنس والحديث. أما الآن وبعد فرض العقوبات عليها، فلم يعد يسمح لنا بالجلوس أو الحديث مع أحد. بل أصبحنا ملزمين بالجلوس داخل شاحناتنا فحسب. ومن جانبها أثنت الولايات المتحدة الأميركية على مصادقة الصين على فرض العقوبات الدولية على كوريا الشمالية. أما وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، فقد استغلت زيارتها إلى بكين الأسبوع الماضي، لتأكيد رغبة بلادها في استئناف المحادثات الدبلوماسية مع الصين حول البرنامج النووي الكوري الشمالي. وذكر عن المسؤولين والقادة الصينيين أنهم استشاطوا غضباً من الاختبارات النووية التي أجرتها بيونج يانج مؤخراً، مهددين بأنهم ربما اضطروا لاتخاذ موقف أكثر حزماً وتشدداً، إزاء الجارة الحليفة الاستراتيجية طويلة الأمد. والملاحظ أن بعض البنوك الصينية في مدينة دانجدونج التجارية النشطة، قد لجأت إلى تجميد بعض الحسابات والأرصدة المالية الكورية الشمالية لديها الأسبوع الماضي. غير أن التفتيش الجمركي عبر الخط الحدودي الفاصل بين البلدين، والبالغ طوله 866 ميلاً، يعد أمراً مختلفاً جداً. يذكر أن العقوبات المفروضة قد خولت الدول تفتيش الشحنات الصادرة والواردة إلى كوريا الشمالية، إلى جانب تحريمها لبيع ونقل كافة المواد التي يمكن استخدامها في صنع الأسلحة النووية. إلا أن عمر هذه العقوبات لم يبلغ الأسبوعين بعد، إلى جانب أنها لم تحدد الكثير من تفاصيل السلع والمواد التي منعت توريدها لكوريا الشمالية. ـــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"