في لقاء تلفزيوني بث الأسبوع الماضي، وجه المذيع جورج ستيفانوبولوس السؤال التالي للرئيس جورج بوش: ماذا أنت فاعل إذا ما باعت كوريا الشمالية أسلحتها النووية لإيران أو تنظيم "القاعدة"؟ فرد عليه الرئيس بوش بالقول: سيكون عليهم تحمل وزر ما فعلوا. ولما كان المذيع مهموماً بالبحث عن إجابة محددة، فقد تساءل مستوضحاً: وماذا يعني ذلك؟ فقال بوش: إنني أريد للزعيم الكوري الشمالي أن يدرك أنه سيواجه محاسبة فيما لو فعل ذلك، تماماً مثلما جرت محاسبته الآن بسبب إجرائه اختباراً نووياً. إذن فإن ما يمكن استنتاجه هنا انه وفي حال بيع كوريا الشمالية أسلحة نووية لأسامة بن لادن أو للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، فإن المتوقع أن تتجه واشنطن مجدداً إلى الأمم المتحدة للتفاوض معها حول فرض المزيد من العقوبات الدولية على بيونج يانج. لكن ماذا لو تمكن تنظيم "القاعدة" من تسريب تلك القنبلة إلى داخل أراضي الولايات المتحدة، فصحونا نحن الأميركيين، على حقيقة ذلك الكابوس الأمني، الذي يمكن أن تغطي فيه سحابة نووية مشؤومة سماء العاصمة واشنطن أو مدينة لوس أنجلوس؟ وفيما لو اكتفينا بمثل هذه الاستجابات المبهمة الغائمة، دون أن نحدد الكيفية التي سنتصدى بها لخطر نووي كهذا، فإن على الأرجح أن تتحول بلادنا إلى ضحية منكوبة لفشل استراتيجية ردعنا النووي. وكان مفهوم الردع هذا، قد برز كمفهوم مركزي في استراتيجية الحرب الباردة. وفي معناه الموجز يشير المفهوم إلى إقناع العدو بأن تكلفة اتخاذه أي خطوة أو فعل غير مقبول، ستتجاوز كثيراً أية مكاسب يتطلع إلى تحقيقها من تلك الخطوة أو الفعل. وعلينا أن نتساءل هنا عن الكيفية التي تمكنت بها الولايات المتحدة من منع السوفييت من احتلال برلين؟ والإجابة هي قدرة واشنطن على إقناع السوفييت وقتئذ، بأن هجوماً كذلك ستنجم عنه استجابة أميركية حازمة، من شأنها إلحاق الدمار ببلادهم كلها. هذا وتقوم استراتيجية الردع الفاعلة على ثلاثة مكونات وعناصر أساسية، هي الوضوح والقدرة والمصداقية. والمقصود بالوضوح هو تحديد خطوط واضحة، تترتب عليها عواقب وخيمة في حال تخطيها. أما المصداقية، فالقصد منها أن تكون مرئية بكل وضوح من قبل العدو، وأن تشخص في عينيه مباشرة. وهنا لابد لنا من طرح السؤال: كيف كانت مصداقيتنا في مقايضة بوسطن ببرلين؟ والإجابة أنها لم تكن بنسبة 100 في المئة مطلقاً. غير أن المناورات والاتصالات التي أجرتها قواتنا مع العدو، استطاعت أن تقنع القادة السوفييت، بأنه ليس في وسعهم التورط في إخضاع بلادهم لاختبار مصداقية كذلك. أما اليوم فإن الواضح هو فشل إدارة بوش في ردع خصمها كيم يونج إيل. والذي حدث هو فشل المطالب الأميركية المتتالية لبيونج يانج، بعدم تطوير السلاح النووي، وبعدم اختبار الصواريخ والقنابل النووية. وفي كل مرة من المرات خطت فيها كوريا الشمالية خطوة باتجاه تحقيق عكس ما طالبت به واشنطن، كان رد الرئيس بوش التقليدي المتكرر دون طائل هو "هذا ليس محتملاً ولن نتسامح معه". وحينما مورس عليه المزيد من الضغوط من أجل أن تتسم استجابته بالتحديد والوضوح إزاء التهديد النووي الذي تتعرض له بلادنا، آثر المراوغة بقوله: لا أعتقد أنه في وسع أي منا تحديد جدول زمني قاطع في التعامل مع الطغاة. بل لقد مضى ستيفن هادلي مستشار الرئيس للأمن القومي، خطوة أبعد مما قاله بوش نفسه: "لا أظن أن هناك أي معنى يذكر لتحديد خطوط حمراء واضحة لكوريا الشمالية. فالحقيقة أنها تجاوزت تلك الخطوط سلفاً وداست عليها"! وبما أن كيم يونج إيل، قد تحدى بوش والعالم كله بمضيه قدماً في تطوير ترسانته النووية، بل وتخطى ذلك إلى اختبار صواريخه بعيدة المدى، ثم اختبار أسلحته النووية، أليس له أن يتخيل الآن أنه بدأ ببيع وتسويق تلك الأسلحة للراغبين فيها؟ والتحدي الكبير الذي تواجهه أميركا في سبيل الحيلولة دون بيع هذه الأسلحة، هو إقناع "كيم" بأنه سيواجه حساباً عسيراً على أية قطعة سلاح نووي أنتجت في بلاده. ويتطلب هذا، الوضوح والقدرة على التعرف على مصدر أي قنبلة يجري تفجيرها في أي من المدن الأميركية، بصرف النظر عن مستلمها أو من قام بتفجيرها، إلى جانب مصداقية التهديد باستجابة عسكرية مدمرة. ولابد من أن يتم إقناع "كيم"، بأنه في مقدور المشرعين النوويين الأميركيين، التعرف على مصدر الأصل الجزيئي والمواد النووية المستخدمة في تلك القنابل من مفاعلات "يونج بايون" في بلاده. كما لابد من أن يدرك "كيم"، بأنه وفي حال انفجار قنبلة نووية كورية الصنع أو الأصل في اراضي الولايات المتحدة الأميركية، أو في أراضي أي من حلفائها، فإن الرد الأميركي سيكون تماماً كما لو تعرضت أميركا لهجوم بصواريخ كورية شمالية حاملة للرؤوس النووية. ويقيناً فإن رداً كهذا، سيكون من الحزم وسينشر من الرعب، ما يوفر ضمانات كافية لعدم تكرار بيونج يانج لفعلتها تلك. ــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"