تتعدد وتتداخل القضايا الاقتصادية في دولة الإمارات العربية المتحدة ولعل أبرزها ارتفاع حجم الإنفاق الاستهلاكي والذي شكل 81% من الناتج المحلي الإجمالي حسب التقارير الاقتصادية المتداولة. ويترافق مع زيادة الإنفاق الاستهلاكي ارتفاع السلع والخدمات وكلها ظواهر اقتصادية سلبية مرتبطة بثقافة ترشيد الاستهلاك الغائبة من أبجديات حياتنا. فالمستهلك ضائع بين بريق الإعلانات التجارية والماركات العالمية ومظاهر الترف الاجتماعية الزائفة لترتفع معها مؤشرات إنفاق الفرد الاستهلاكية بينما تتراجع مؤشرات الادخار والاستثمار، لتنتج معادلة اقتصادية مشوهة لاقتصاد الإمارات. في هذا المقال ليس ميداننا الحديث الاقتصادي فهو شأن له مختصوه، لكن حديثنا سينصب على تعزيز ثقافة الاستهلاك "الرشيد" في المجتمع والحاجة لحماية المستهلك بالتشريعات والقوانين، والتوعية والإرشاد وتلقي الشكاوى ومعالجتها. تبدو قضية الغلاء في دولة الإمارات مستهلَكة لطول تداولها في وسائل الإعلام، لكنها تظل أبرز القضايا لارتباطها بحياة الناس اليومية هذا من ناحية، وأيضاً لأنها تعكس صورة لثقافة الاستهلاك والمستهلك في المجتمع. ولعل ظاهرة ارتفاع أسعار السلع والخدمات أبرز الظواهر الاقتصادية وأكثرها تأثيراً في مجتمع الإمارات مواطنين ومقيمين، مستهلكين وحتى تجاراً، ولاشك أن الارتفاعات المستمرة في الأسعار ترمي بأعباء مضاعفة على الجميع. دائرة الارتفاعات في الأسعار لا تبدأ بسلعة ولا تنتهي بموسم الأعياد، وهي لا ترتبط أحياناً حتى بالسلع أو بالسوق، فعلى سبيل المثال استغل بعض التجار مكرمة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة "حفظه الله" بزيادة الرواتب لرفع أسعار بعض السلع الاستهلاكية لامتصاص هذه الزيادة وتحقيق مكاسب سريعة وكبيرة وملحوظة. ظاهرة الإنسان "الماركة" في المجتمع وما يرتبط بها من "ثقافة الماركة التجارية" المميزة لم تخلق مفهوم الجودة بل عززت سوق السلع المقلدة، ليضيع المستهلك بين سلع بأسعار خيالية وأخرى مقلدة، حتى قيل" تفرج في دبي وتسوق في عجمان". إن قضية تعزيز ثقافة الاستهلاك قضية ومشكلة في ذات الوقت تتداخل فيها حقوق المستهلكين مع واجبات الدولة وجمعيات النفع العام كجمعيات حماية المستهلك، وكذلك حقوق وواجبات التجار والمستوردين للسلع والخدمات حتى الخدمات الحكومية. قضية تتداخل أطرافها كأطراف في المشكلة وأطراف في الحل، لكن تظل الحقيقة الواضحة للعيان غياب الثقافة الاستهلاكية بشكل عام في المجتمع، خاصة من ناحية تأكد المستهلك من جودة السلع والخدمات المقدمة والوعي بصحة وسلامة المواد الغذائية والأدوية، والوعي الكافي بأساليب الغش والتحايل. ولعل أبرز الإنجازات في دولة الإمارات هو صدور قانون حماية المستهلك القانون الاتحادي رقم 24 لسنة 2006 والذي يتضمن 24 مادة كتطور تشريعي وكأولوية مجتمعية، ولعل تسليط الضوء على أبرز المواد فيه حاجة ومتطلب أساسي في مجتمع استهلاكي بالدرجة الأولى. فإن كانت السيطرة على الطلب المتزايد للسلع الاستهلاكية صعبة فإن توعية المستهلك بحقوقه ضرورة تقع على عاتق الدولة ممثلة بوزارة الاقتصاد والمنظمات الأهلية كجمعية الإمارات لحماية المستهلك ووسائل الإعلام المختلفة. يشتمل القانون على تعاريف محددة للسلعة والمستهلك، المستهلك هو: "كل من يحصل على سلعة أو خدمة -بمقابل أو بدون مقابل- إشباعاً لحاجته الشخصية أو حاجات الآخرين"، في مقابل أن المزود هو: "كل شخص طبيعي أو معنوي يقدم الخدمة أو المعلومات أو يصنع السلعة أو يوزعها أو يتاجر بها أو يبيعها أو يوردها أو يصدرها أو يتدخل في إنتاجها أو تداولها". واستناداً للمادة الرابعة تنشأ بالوزارة إدارة تسمى «إدارة حماية المستهلك» تتولى مهام الإشراف على تنفيذ السياسة العامة لحماية المستهلك بالتعاون مع الجهات المعنية في الدولة، التصدي للممارسات التجارية غير المشروعة والتي تضر بالمستهلك، ومراقبة حركة الأسعار والعمل على الحدّ من ارتفاعها، كما تعمل على محاربة الاحتكار، وتتلقى شكاوى المستهلكين وتتولى مهمة نشر الوعي الاستهلاكي في الدولة حول السلع والخدمات وتعريف المستهلكين بحقوقهم وطرق المطالبة بها. ويلزم القانون في مادته السابعة لدى عرض أية سلعة للتداول بأن يكون على غلافها أو عبوتها، بطاقة تتضمن بيانات عن نوع السلعة وطبيعتها ومكوناتها واسم المُنتج وتاريخ الإنتاج أو التعبئة والوزن الصافي وبلد المنشأ وبلد التصدير (إن وجد) وبيان كيفية الاستعمال (إن أمكن) وتاريخ انتهاء الصلاحية. معلومات تفصيلية تهم المستهلك، فتحديد سعر السلعة بشكل ظاهر والحصول على فاتورة مؤرخة تتضمن تحديد نوع السلعة وسعرها التزامان تضمنهما المواد التالية وصولا إلى تحديد مجموعة من الجزاءات تقع على عاتق الجهات المخالفة لمواد القانون. تتولى إدارة حماية المستهلك حسب هذا القانون مسؤولية مراقبة حركة الأسعار في الدولة للحد والسيطرة على ظاهرة الارتفاع المطرد في أسعار السلع والخدمات، كذلك نشر الوعي الاستهلاكي، وتتداخل مسؤوليات إدارة حماية المستهلك مع أهداف ومسؤوليات جمعية الإمارات لحماية المستهلك خاصة في مجال توعية المستهلك ورفع مستوى الثقافة الاستهلاكية لديه بما يمكنه من التصدي لظواهر عديدة مثل الغش والتدليس والإعلانات المضللة. الجمعية التي تم تأسيسها في عام 1987 أي قبل ما يقارب عقدين من الزمان ومع ذلك تغلف أنشطتها علامات استفهام وتعجب لا تقتصر على صراعاتها الداخلية وتجميد أنشطتها وكل القضايا التي تم تداولها إعلامياً لتظهر على الصورة بمشاكلها الداخلية لا باعتبارها جمعية أهلية أسست بسنواتها الطويلة فكراً وثقافة استهلاكيين. ولسنا بصدد التعرض للجمعية لكن طول مدة تواجدها على الساحة المجتمعية ومحدودية إنجازاتها وتواضع سمعتها يرفع علامات استفهام حول جدواها، ولعل إصدار القانون الجديد وإنشاء إدارة حماية المستهلك قد يساهم في تعزيز دور الجمعية ويفعِّل من دورها بين أفراد المجتمع. تقع على إدارة حماية المستهلك وجمعية الإمارات لحماية المستهلك مسؤوليات جسيمة في المحافظة على حقوق المستهلك ونشر الوعي بقانون حماية المستهلك، قضايا عديدة تهم المستهلك يرتبط بعضها بجودة السلع والسلع المقلدة ومحاربة الاحتكار ورفع الأسعار وقبل كل ذلك الجهات التي يمكن أن يلجأ إليها حال التعرض للغش أو التدليس، ولعل من المواضيع المهمة قضية خدمة ما بعد البيع، ولعل قوانين استرجاع أو استبدال السلع المبيعة لمثال صارخ على الممارسات الخاطئة والاستغلالية للتجار دون تحرك وزارة الاقتصاد والجهات الاقتصادية في الإمارات. شراء سلعة معينة من بعض المحلات معناه حكم بالإعدام على أموال المستهلك في حال رغبة المستهلك بإرجاعها استبدالاً أو استرجاعاً لأمواله، فطبع عبارة "البضاعة المباعة لا ترد ولا تستبدل" أو "تستبدل فقط" خلال مدة زمنية يتم تحديدها مثال على هضم حقوق المستهلك بورقة رسمية. سياسة الاسترجاع والاستبدال غير موجودة أصلاً في العديد من المحال التجارية حتى تلك التي تحمل علامات تجارية عالمية ولا سبيل لاستبدال السلعة والجهة الحكومية المسؤولة والجهة الأهلية المفترض أن تكون مسؤولة لا تحركان ساكناً، والغريب أن هذه العبارة تلاشت من أبجديات الدول التي تحترم مستهلكيها. فإذا كان استهلاك حتى الهلاك ليكن استهلاكاً مقنناً وليكنْ "الزبون دائماً على حق".