الأقوال المتداولة في البرازيل تقول إنه على الرغم من الإخفاق المفاجئ للرئيس "لويز إيناسيو لولا دا سيلفا" في حسم الانتخابات من جولتها الأولى التي جرت في الأول من هذا الشهر، فالمتوقع هو أن يكون طريقه سهلاً لإحراز النصر في انتخابات الإعادة التي تجري اليوم. بيد أنه حتى لو تحقق ذلك، فإن الرئيس سيكون مطالباً بشيء مهم، هو استعادة ثقة البرازيليين الذين لم يعودوا ينظرون إليه كـ"بطل" كما كان. فلا لا يزال السخط ينتاب العديدين ممن صوتوا له قبل أربع سنوات، لأن حكومة "دا سيلفا" كانت فاسدة، كما أن الرجل نفسه لم يف بمعظم العهود التي قطعها على نفسه للفقراء. فهو قد وعد بتوفير 10 ملايين وظيفة، ولكنه لم يوفر سوى 4 ملايين فقط، ولازالت نسبة البطالة تراوح حول 10 و7 في المئة، وترتفع إلى 70 في المئة وسط سكان الأحياء الفقيرة في العاصمة وغيرها من المدن. كما أن برنامجه الخاص بالإصلاح الزراعي، لم يسر في طريقه المخطط، حيث لم يمنح الرئيس أراضي سوى لخمسين في المئة من عدد العائلات التي كان قد وعد بمنحها تلك الأراضي ولازال سوء توزيع الأراضي الزراعية قائماً، حيث يمتلك 1 في المئة من عدد السكان نصف مساحة الأرض في البرازيل كلها. كما أنه لم يحق سوى نصف الأهداف المحددة في برنامجه الخاص بتوفير الرعاية الصحية للشعب. كما لم يقترب من تحقيق هدفه بمضاعفة الأجور، وكل ذلك يفسر لماذا لم يحصل "لولا دا سيلفا" سوى على 48,6% من الأصوات في الجولة الأولى وتم إعطاء الأصوات التي كانت لازمة لاجتيازه تلك الانتخابات من الجولة الأولى لمرشحين منشقين كانا عضوين سابقين في حزب "العمال" الذي يرأسه "دا سيلفا"، هما السيناتور "هيلويسا هيلينا دي موراييس" الذي حصل على 6,9 في المئة من نسبة الأصوات و"كريستوفام بوارك" الذي عمل وزيراً سابقاً للتعليم تحت رئاسة "دا سيلفا" والذي حصل على 2,6 في المئة من الأصوات. أما منافسه الرئيسي في الانتخابات وهو "جيرالدو الكامين" مرشح النخبة البرازيلية والحزب "الديمقراطي الاجتماعي"، الذي سيواجه "لولا" اليوم فقد حصل على 41,6 في المئة. وتقول السيناتور "دي مورايس" المدافعة الشرسة عن العدالة الاجتماعية إن الناخبين يجب أن يصوتوا لصالح البرازيل وليس لصالح "دا سيلفا"، وهي تقول ذلك بسبب الاستراتيجية التي اتبعها بعض أنصار "دا سيلفا" من الفقراء في الجولة الأولى، حيث قاموا بمنح أصواتهم لبعض المرشحين، وهي منهم بغرض تفتيت الأصوات حتى لا يتمكن "دا سيلفا" من الفوز في الجولة الأولى، وبعد أن يكون قد استوعب الدرس يقومون بمنحه أصواتهم في الجولة الثانية. وعلى الرغم من أن العلاوة الشهرية البالغة 45 دولاراً تقريباً التي استفاد منها ربع عدد الفقراء المُعدمين في البرازيل تضمن له ولاءهم في انتخابات الإعادة فإن ذلك ليس مضموناً تماماً، وخصوصاً على ضوء أنه لم يقم بإدخال تغييرات طويلة الأمد لانتشالهم من غائلة الفقر، مما جعل الغالبية العظمى منهم تحس بمرارة شديدة تجاهه. وليس هناك أمل في أن يُحدث "دا سيلفا" تغييراً كبيراً على هذا الوضع في فترته الثانية -إذا ما أعيد انتخابه اليوم- خصوصاً بعد أن فشل في توفير الأموال الكافية لتمويل مساعداته للفقراء بسبب سياسته المالية المقيدة وإخفاقه في تخفيف أو حتى إلغاء عبء الديون الخارجية التي تقدر بـ450 مليار دولار. ويدفع هذا الكثيرين للاعتقاد بأن جهوده لتخفيف الفقر في البرازيل ستقتصر في فترة ولايته الثانية على مجرد لفتات وإيماءات متفرقة نحو الفقراء لا تسمن ولا تغني من جوع. وحسب قواعد علم المالية، فإن السياسة المالية المقيدة تتطلب رفع سعر الفائدة وهو الأمر الذي يحد من النمو الاقتصادي بسبب عجز الشركات عن التوسع وتعيين المزيد من العمال بسبب ارتفاع سعر الفائدة. وهكذا فإنه على الرغم من أن "دا سيلفا"، قد أجرى تخفيضات على سعر الفائدة -استجابة لاقتراحات السيناتور "مورايس" بخفض هذا السعر بنسبة النصف- حتى استقر عند نسبة 13,7 في المئة الآن، فإن ذلك لم يكن كافياً. وبعد تحطم الآمال التي وعد بها، وذلك بسبب انتهاج سياسات اقتصادية جديدة تصب في مصلحة فقراء البرازيل وبما يتفق مع حاجات البلاد الواقعية فإن "دا سيلفا"، وجد نفسه مضطراً في النهاية لاتباع سياسات "نيوليبرالية"، تصب في مصلحة المستثمرين في المقام الأول، ولا تفيد هدف تحسين أحوال الشعب البرازيلي كثيراً. وليس هذا فحسب، بل يقول اليوم إنه سيواصل اتباع مثل هذه السياسات في فترة رئاستة الثانية. والأجندة الانتخابية لمنافسه الرئيسي "الكامين" تقوم على توفير الحوافز للمستثمرين أيضاً وهو ما جعل صحيفة "وول ستريت جورنال" تقول إن نتيجة جولة انتخابات الإعادة في البرازيل وبصرف النظر عن الفائز ستكون في صالح المستثمرين في الحالتين. ولكنها لن تكون في صالح الفقراء في البرازيل في الحالتين، كما أنها لن تكون في صالح الطبقة الوسطى في هذا البلد والمهمومة بموضوع انعدام العدالة الاجتماعية واللامساواة الرهيبة في البلاد. فالرئيس "لولا دا سيلفا"، لن يُحدث سوى فروق هامشية إذا ما استمر في اتباع سياساته الاقتصادية المقيدة، وتلك الخاصة بالديون كما أن "الكامين" سيقوم بإلغاء الدعم الاجتماعي الضئيل الذي قرره "دا سيلفا"، وسيقوم أيضاً بتخفيف الضرائب المفروضة على الأغنياء، مما سيفاقم من اللامساواة وعدم العدالة، وهذا يدفعنا للقول إن أمل البرازيل في التغير لن يتم على يد "دا سيلفا" أو حتى "الكامين" ولكنه سيتعلق بالحركات الاجتماعية التي جاءت بـ"دا سيلفا" نفسه إلى السلطة. فهذه الحركات التي تقودها الاتحادات هي القادرة على ذلك وخصوصاً إذا ما عرفنا أنها تنوي تقديم خطة اقتصادية للمرشح الفائز وتهدد بتنظيم مظاهرات في الشوارع إذا لم يقم بتنفيذها. علاوة على ذلك، فإن الحركات العمالية التي لا تزال تدعم "دا سيلفا" تقول إن علاقتها به خلال الفترة الثانية ستكون مختلفة خصوصاً أن تغاضيها عن نقد الكثير من سلبيات ونواحي قصور حكومته في فترة رئاسته الأولى لم يستفد منها فقراء البرازيل كثيراً. مارلين نادل ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مراسلة الشؤون الخارجية بـ"كريستيان ساينس مونيتور" ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"