هل وجود الرجل الخارق حقيقة أم خيال؟ ثبت على أرض الواقع أنه حقيقة بشحم ولحم وعظم، فلا يمكن أن يكون إلا خارقاً مَنْ يتولى أكثر مِنْ منصب مهم وعضوية أكثر مِنْ لجنة وعدد من المسؤوليات مع نتف من الواجبات الخفيفة هنا وهناك وبهانس من الأعمال التطوعية، بالإضافة إلى ما قد يسند إليه بالوكالة وبالإنابة وبالتفويض، ولسان حاله: هل من مزيد؟. وإذا سُئل عن عمله قال ببساطة: "رئيس دائرة ورئيس مجلس إدارة ومدير عام هيئة وعضو في مجلس ومستشار في جهاز ونائب رئيس في مؤسسة وجاهز تحت الطلب لأي إضافات أخرى". أي مسؤول كبير، يحتاج للقيام بعمله على أكمل وجه إلى عمل دؤوب يلتهم جلّ وقته، وجهد جهيد يجعله يترنّح من التعب، ومتابعة مستمرة توجب عليه الشد على يد المحسن وتوبيخ المقصّر، وتطوير لا يتوقف يدفعه إلى السفر شرقاً وغرباً للوقوف على تجارب باقي الدول، وفكر لا محدود يمنعه من الركون إلى ما وصلت إليه إدارته، وخبرة متراكمة تساعده في وضع الخطط والبرامج والآليات، ناهيكم عن ضرورة تواصله مع العاملين والمتعاملين والتفرّغ لهم لمناقشتهم والاستماع إلى مطالبهم وملاحظاتهم وشكاويهم. فهل طاقة هكذا مسؤول، وهو في النهاية إنسان يحتاج إلى النوم والراحة والاسترخاء، ووقته وهو لا يتجاوز 24 ساعة في اليوم بما فيها ساعات اجتماعه بأهله وواجباته الاجتماعية، تسمحان له، بإدارة مؤسسته بكفاءة واقتدار، مضافاً إليها أعمال ومهام أخرى؟ نعم يمكنه الجمع بين عدد من المناصب والمسؤوليات، إذا كان له منصب مهم واحد، وباقي مسوؤلياته ثانوية وشرفية لا تحتاج منه إلا إلى اجتماع ربع سنوي ولقاء نصف سنوي كعضوية مجلس نادي لعبة المسطاع أو جمعية هواة جمع علب التونة الفارغة، أما الجمع بين مسؤوليات كبيرة وكثيرة، فيعتبر أمراً من أمرين: إما أن يكون هذا الشخص رجلاً خارقاً بمعنى الكلمة، وإما يكون مهملاً في شيء منها أو موزّعاً إهماله على جميع مسؤولياته بالتساوي، حتى لا يظلم مسؤولية على حساب أختها. ولا يعني نجاح بعض هؤلاء في إدارة بعض المؤسسات التي يشرفون عليها أن الأمور تسير على ما يرام، فحتى لو كان هذا صحيحاً، فلا يتكلل عمله بالنجاح إلا بإتلاف أعصاب من يعملون معه بالضغط عليهم باستمرار والتقليل من شأنهم كلما سنحت الفرصة، واضطرارهم إلى الصبر على انتقاداته وتذمره. وهذا طبيعي لأنه مجهد ومتوتر ويخشى حصول أدنى خطأ في طابور المؤسسات التي يديرها. وعلى فرض نجح هؤلاء في إدارة تلك المؤسسات، أليس تفرغ كل واحد منهم لمؤسسة واحدة فقط سيزيد من نجاح تلك المؤسسة ويصب بالتالي في تطور الدولة ونهضة المجتمع؟ ويزيد الطين بلّه حين يكون المسؤول الخارق مركزياً، لا يعترف بكفاءة غيره ولا يعتمد على أحد ولا يثق في كائن من كان، ولا يترك الفرصة لمساعديه للتصرف أثناء غيابه المتواصل والمتكرر بسبب تراكم المسؤوليات فوق ظهره، ساعتها تصاب المؤسسة بالشلل الكامل. والسؤال الأخير: ألا توجد كفاءات تستطيع قيادة السفن الكثيرة التي يقودها عدد صغير من النواخذة؟