كل عام وأنتم بخير، هذا هو مقالي الأول بعد رمضان لذلك وجبت التحية المتجددة لكم جميعاً، يا من حرصتم على متابعة مقالاتي خلال الفترة الماضية وتحديداً في رمضان، وجزيل الشكر لكل من وافاني بملاحظاته كتابة أو مشافهة لأن الإنسان مهما كان فهو مركب من نقص وبحاجة إلى الكمال. في مقال السبت الماضي وكان الأخير في رمضان والذي حمل عنوان "خطوة إلى الأمام" تأملنا خلاله الدور الذي يلعبه رمضان في حياة الإنسان حيث ساعده على التقدم خطوات نحو الأمام عبر تجريب مدرسة منع النفس من الحلال في فترة معينة من الزمن كي ترقى هذه النفس إلى السماء وتبتعد عن التراب الذي يربطها بالشهوات والملذات فلا يوجد أسوأ من شخص كانت اللذة القصيرة تمنعه عن لذة لا متناهية. فإذا كنا في نهار رمضان نمتنع عن المباح من أكل وشرب ومفطر اعتقاداً منا بأن هذا الأمر هو من صميم التربية الإيمانية التي تقودنا إلى رضا الله والجنة بعد أن شعر كل الصائمين بالفرحة التي بشر بها الرسول عليه الصلاة والسلام في قوله "للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح وإذا لقي ربه فرح بصومه" متفق عليه. صدق الله العظيم وبلغ رسوله الأمين، نعم يا رب لقد فرحنا حين الفطر ونسألك اللهم أن تبلغنا الفرحة الثانية بعفوك وكرمك. أيام العيد مرت سريعاً كما كانت ليالي رمضان، ولكن المتأمل في حياة الناس يجد أن بعضهم رجع بعد رمضان خطوات للخلف وكان شعاره ما قاله الشاعر: رمضان ولَّى هاتها يا ساقِ مشتاقة تسعى إلى مشتاقِ نعم فبدلاً من الاستمرار في درب السعادة الأبدية والتي لا تتحقق إلا برضا المولى سبحانه ضعفت بعض النفوس فور الفطر وارتدت بعد أن ذاقت جمال الطاعة إلى لهب المعصية وهذا ما نسميه بالخطوة للخلف. نعم فكما أن الطفل المريض الذي تكلمنا عنه في المقال الماضي أصيب بالنكوص فرجع بعد أن تعلم المشي إلى الحبو رجع بعض المسلمين بعد أن جرب جمال الطاعة إلى المعصية والتقصير، بل إن بعض النفوس تحولت من مطمئنة لأمارة بالسوء، وقد يسأل البعض أوليس هذا طبيعياً في النفس البشرية؟ الجواب بكل صراحة نعم، ففي رمضان عندما صفدت مردة الشياطين أصبحت قيادة النفس البشرية سهلة المنال، كما أن جو الطاعات التي تسود رمضان يعين الإنسان على محاربة مغريات الحياة، فالكل بين صائم وقائم ومعتمر، وحتى حديث المجالس في أغلب الأوقات له سمت إيماني رائع. وبعد رمضان وفور الفطر تبدأ شياطين الإنس والجن في التأثير، ولكن الأهم من ذلك النفس التي تتقلب من كونها مطمئنة إلى أمَّارة بالسوء، وعندها ينبغي للعاقل أن يعيدها إلى المرتبة الأخرى وهي اللوامة والتي تسأل صاحبها بعد كل فعل حسن كان أم قبيح عن السبب والنتيجة، لو تمكنا من ذلك فإن هذه النفس تعود من جديد إلى المطمئنة بعد جرعة من الاستغفار والتوبة والعمل الصالح. فكل المطلوب ممن مشى خطوة أو أكثر إلى الوراء بعد رمضان العودة في مقابل ذلك خطوات إلى الأمام لأن "الحسنات يذهبن السيئات" كما قال تعالى، والجاهل هو من تقوده الخطوة إلى الوراء للركض في ذلك الاتجاه. نعم إن الواقع البشري يؤكد أن الإنسان مهما حاول المضي قدماً إلى الأمام فإن عوامل كثيرة تجره إلى الخلف، العقلاء فقط ومن عرفوا جمال الطاعة هم الذين يعقبون كل خطوة إلى الوراء باستغفار مباشر ثم خطوات نحو الأمام. وفي الحديث القدسي قال تعالى "من تقرب إلى شبرا تقربت منه ذراعاً" أو كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام، وفي القرآن يقول تعالى "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا" صدق الله العظيم، فإذا جرتك الدنيا خطوة للوراء فعالجها بخطوات نحو القمة.