خطا تلفزيون السودان المملوك للحكومة خطوة جديدة وجريئة هذا الأسبوع وعبر الخط الأحمر باستضافة الدكتور حسن الترابي في برنامج "على الكرسي الساخن". الجديد في الأمر أنها المرة الأولى التي يفتح فيها المجال لأحد زعماء المعارضة، بل يطلب منه التحدث في التلفاز لساعة كاملة، وتلك خطوة لها ما وراءها! محاور الدكتور الترابي حصر أسئلته في قضايا بعيدة عن أمر خلافه مع النظام الحاكم، فاقتصرت الأسئلة وأجوبتها على مسائل فقهية أو أخرى ذات صفة عامة، وذلك أمر له دلالاته، إذ اشتهر الترابي بأنه ما لقي فرصة للحديث أو التصريح إلا وفتح نيرانه على الحاكمين، كاشفاً الكثير من الأسرار التي اعتبر قادة الحكم أنها نسيت وأن السنوات كانت كافية لدفنها. والتفسير الوحيد لاستضافة الدكتور حسن في هذه المرحلة وبهذه الصورة، هو كونها تمهيد لمسعى يقوم به البعض لتقريب الشقة بين طرفي الحركة الإسلامية؛ "حزب المؤتمر الوطني" و"حزب المؤتمر الشعبي". إنها خطوة يراد بها فتح المسالك لخطوات أخرى قد تقود -إذا كتب لها النجاح- إلى التئام للصف يجمع بين كيانين كانا وحدة واحدة حتى العام الأخير من القرن الماضي ثم وقع بينهما من الخلاف والشقاق ما وصل حد القطيعة والعداء. المبادرة كما هو معلوم تأتي من نفر في قيادة الحزب الحاكم وليس من حزب الدكتور الترابي، وهؤلاء يريدون أولاً أن يوثقوا كي يضمنوا وقاية نظامهم شر ما يدلي به الترابي من أحاديث تهز كيان النظام وتشير بالإدانة لعدد من كبار المسؤولين. كما يفكر هؤلاء في أنه لو توحد الإسلاميون في هذه المرحلة، فسيكون من شأن ذلك أن يقوي نفوذهم ويضمن لهم فوزاً في الانتخابات العامة القادمة بعد نحو عامين. صحيح أنه ليس في دنيا السياسة عداء مستمر، كما ليست فيها صداقة دائمة، ولكن أمامنا تراث من الحقائق في علاقات هذين الكيانين لابد من التذكير به لتقدير احتمالي نجاح وفشل ذلك المسعى. كان الدكتور الترابي الأب الحقيقي للحركة الإسلامية في السودان، وهو الذي قادها منذ أن كان اسمها "جبهة الميثاق" ومضى بها حتى أصبحت "الجبهة القومية الإسلامية" وسار في مقدمتها إلى أن استولى على الحكم منتصف عام 1989، وظل قائدها وأستاذ ومعلم قادتها حتى أطاحوا به، قائلين إنه ديكتاتور ينفرد بالرأي، فانقسمت الحركة إلى مجموعتين؛ حكم ومعارضة. وخلال السنوات التي تلت إبعاده من الحكم، واجه الترابي وأعوانه من قهر النظام ما واجهوا؛ من ذلك بقاؤه هو وعشرات من أصحابه في المعتقل لسنوات وتوجيه اتهامات لبعضهم بالخيانة العظمى وتقديمهم للمحاكمات حيث برئوا لعدم كفاية الأدلة، وكذلك منع حزبهم من النشاط وتعطيل صحيفتهم وإغلاق دارهم. ومن جانبه لم يتردد الدكتور الترابي، بعد رفع حالة الطوارئ واطلاق سراحه، في توجيه نيرانه إلى الحكم ورموزه، ففضح كثيراً مما كان خافياً على الناس مما هز أركان السلطة. هذه هي الصورة تقريباً، وستبقى إلى أن نرى ما إذا كان ذلك المسعى سيصل إلى غايته أم سيفشل! محجوب عثمان