بلحيته اشتعل فيها الشعر شيباً، يجلس الشيخ رائد صلاح بملابسه التي تجعله يبدو كأحد ملالي باكستان أكثر منه كأحد "فلسطينيي الداخل"، كما يحب أن يطلق على الـ1.4 مليون من العرب يعيشون في داخل إسرائيل. أما العبارات الأخرى التي يستخدمها الشيخ رائد فقد لا تروق كثيراً لمعظم الإسرائيليين، حيث حذر زعيم الحركة الإسلامية، ذو الشخصية الكاريزمية، مؤيديه طيلة شهر رمضان من أن المسجد الأقصى، ثالث الحرمين الشريفين لدى المسلمين، بات في خطر حقيقي أكثر من أي وقت مضى بسبب التهديد الإسرائيلي وتحرش المتطرفين اليهود بالمكان المقدس. وفي حوار أدلى به من مكتبه، صرح الشيخ رائد صلاح قائلاً "إن إسرائيل لن تعمَّر أكثر من عشرين سنة، وقريباً ستتحول القدس إلى عاصمة عالمية للإسلام". واللافت أن هذه الآراء التي يصدح بها الشيخ رائد صلاح جهاراً نهاراً، ما كان يستطيع الإدلاء بها في الماضي، حيث كان يقول ذلك خلال خطبه في المساجد، وليس خارج أسوارها. وترجع الشعبية التي يتمتع بها الشيخ رائد صلاح داخل إسرائيل، وصعوده السريع كقائد فلسطيني مفوه، إلى تراجع آفاق السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل، والاضطرابات التي تعم المنطقة، فضلاً عن تنامي الشعور المناهض للولايات المتحدة في العالم عموماً، وفي الشرق الأوسط خصوصاً. ويضيف الشيخ رائد في حواره المذكور "إن السياسات الأميركية الرسمية تلحق ضرراً بالغاً بالفلسطينيين، فهم يستشهدون على أيدي القوات الإسرائيلية، لكن بسلاح أميركي، وبدعم سياسي أميركي أيضاً، وبحماية، كذلك، من قرارات أممية تخضع لأميركا". يشار إلى أن الشيخ رائد صلاح الذي لم يتجاوز الخمسين من عمره، حظي بشهرته أولاً كشاعر نال احترام الكثيرين، ثم استطاع خلال سنوات التسعينيات تقلد منصب عمدة بلدة أم الفحم، وهي مدينة صغيرة تقع داخل إسرائيل لكنها تتاخم الخط الأخضر وتطل على الضفة الغربية، حيث من المتوقع أن تسلم إلى السلطة الفلسطينية في إطار تبادل للأراضي بين الفلسطينيين وإسرائيل يأخذ في عين الاعتبار التوزيع الديموغرافي للمناطق، كما نص على ذلك اتفاق أسلو. وقد ساهم قرار الشيخ رائد صلاح بالابتعاد عن لعب دور سياسي مباشر، في الرفع من شعبيته وصعود نجمه لدى "عرب إسرائيل". وبدلاً من ذلك فضّلت الحركة الإسلامية أن تركز على قضايا محلية تهم الحياة اليومية للفلسطينيين، مثل مسألة تمويل البلديات في ظل التمييز الذي يطال المناطق العربية التي تحصل على اعتمادات مالية أقل بكثير مما تحصل عليه البلديات اليهودية. وبينما يعاني باقي السياسيين العرب داخل إسرائيل من تلطخ سمعتهم بسبب عجزهم عن الوفاء بتعهداتهم وتورطهم في بعض الفضائح، تظل سمعة الشيخ رائد صلاح نقية إلى حد كبير. يقول هاشم محمد، وهو عمدة سابق وعضو في "الكنيست" الإسرائيلي تابع للحزب الاشتراكي اليساري، إن جزءاً من التيار الإسلامي "انخرط في السياسة الإسرائيلية، لكن حركة الشيخ رائد صلاح تريد أن تلعب دور المسلمين الذين لا يرغبون في الكذب وممارسة المناورات السياسية. فالدين يأمرك باتباع الطريق القويم، بينما السياسة تدعوك إلى العكس". ويضيف هاشم محمد أنه عندما تولت الحركة الإسلامية إدارة شؤون البلدية في أم الفحم اعتقد الناس أن ثورة على الطراز الإيراني قد حلت بمدينتهم، وتوقفت ابنته عن الخروج من المنزل دون ارتداء الحجاب. ورغم أن الأجواء هدأت بعد ذلك، فإنه مازال هناك إحساس بأن هذا الجزء من إسرائيل يديره "الإسلاميون". ويستطرد هاشم محمد قائلاً: "إنهم يقدمون كافة أنواع الدعم المالي لكل من يحتاج إلى ذلك من سكان المدينة، حيث تم بناء أكثر من 25 مسجداً في بلدة لا يتجاوز عدد سكانها 43 ألف نسمة". ويبدو أن أوجه تشابه متعددة قائمة بين الحركة الإسلامية في إسرائيل وحركة "حماس" في الضفة الغربية وقطاع غزة. فقد نجحت "حماس" في الصعود إلى السلطة بعد فوزها في الانتخابات التشريعية، لأن الناس نظروا إليها كقوة نظيفة ونزيهة لم تتورط في فضائح الفساد. غير أن إسرائيل تنظر إلى موضوع الحركة الإسلامية من منظور مختلف، حيث سبق وأن اعتقلت السلطات الأمنية الشيخ رائد صلاح عام 2003 بعد الاشتباه في جمعه أموالاً لصالح "حماس"، حيث أمضى في المعتقل عامين كاملين. ورغم إطلاق سراحه، فإنه مازال يتردد على ضابط إسرائيلي مرة كل شهر لمراقبة وضعه. لكن بعودته إلى مدينة أم الفحم مجدداً، ارتفعت شعبيته، وأصبحت صوره معلقة في كل مكان، حتى على قمصان الأطفال في تلك البلدة العربية "كسيرة الجناح"! إلين بروشر ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مراسلة "كريستيان ساينس مونيتور" في إسرائيل ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"