إن كنت فهمت القصد من مقال الدكتور أحمد البغدادي المعنون: "تاريخنا الذي لا نقرؤه"، المنشور هنا يوم الثلاثاء الماضي، فإنه يريد القول إن تاريخنا العربي الإسلامي ليس ناصع البياض، خالياً من الشوائب والأخطاء، بل هو مليء بالممارسات الخاطئة، كتلك التي نسبها المقال للخليفة الأموي سليمان بن عبدالملك، في الجزاء غير المناسب الذي كافأ به فاتحي الأندلس. وإذا كان هذا هو قصد الكاتب فعلاً فإنني أعتقد أنه لا يوجد أحد يخالفه فيه، فلا يوجد تاريخ ناصع، لا عندنا ولا عند غيرنا من أمم وشعوب. فالغرب مثلاً كافأ علماءه ومخترعيه ومصلحيه أحياناً كثيرة بالشنق ونكران الجميل والتعذيب، وقصص غاليليه، وجوردانو برونو، وميرابو، وقبلهم سقراط، وغيره، مجرد أمثلة فقط. وفي مقابل الظلم المزعوم الذي وقع على أولئك الفاتحين هنالك أيضاً فاتحون وعلماء وشعراء آخرون أغدق عليهم سليمان بن عبدالملك نفسه المكافآت وأحسن جزاءهم على جميل صنيعهم. والحقيقة أن هذا الخليفة الأموي بالذات الذي اختاره الكاتب ليضرب به المثل في السوء لم يكن للأمانة التاريخية من أسوأ الخلفاء الأمويين، بل لقد وصلت الفتوحات الإسلامية في عهده وعهد أخيه الوليد الحدود التي توقفت عندها نهائياً ولم تزد عليها لقرون وقرون. أما إن كان الكاتب يريد تحميل الحكومات العربية مسؤولية المغالطات الواردة في المناهج التعليمية عن تاريخنا العربي، فاعتقد أيضاً أن مسعاه هذا يأتي في غير محله ويخطئ العنوان، فلم نسمع أن الحكومات العربية هي من يكتب مناهج التعليم، وإنما من يقوم بذلك هم أساتذة الجامعات والموجِّهون التربويون، وبالتالي كان أوْلى بالكاتب أن يشير إلى ذلك، لا أن يغلف مطالبته الضمنية بأن يتولى المستوى السياسي العربي تغيير المناهج، في شكل انتقاد في غير محله، ومبني على استقراء ناقص أيضاً لا يصلح للتعميم. متوكل بوزيان – أبوظبي