أما وقد عاد الملف النووي الإيراني للطرح بقوة في الساحة الدولية، ففي اعتقادي أن فهم ذلك الملف أو الموقف منه، سيعتمد على نوع الإجابة عن أسئلة أساسية محددة. ولسنا هنا معنيين بالمواقف الرسمية، فتلك لها حساباتها التي لا تخضع في الكثير من الأحيان لمنطق المبادئ؛ لكن دعونا نطرح الأسئلة والملاحظات التالية على أنفسنا: أولاً: هل هناك مبرّرات تستدعي أن يقتصر حق امتلاك الأسلحة النووية على مجموعة صغيرة من الدول، وتحرم من هذا الحق باقي دول العالم الأخرى؟ إذا كان الغرب، وهو المعني أساساً بهذا الموضوع، يرى في امتلاك الأسلحة النووية خطراً كبيراً على البشرية، فلماذا لا ينتقل من الحديث عن منع انتشارها إلى الحديث عن تدميرها وإزالتها بصورة نهائية ودائمة؟ بمعنى آخر، كيف يكون لمجموعة صغيرة من الدول أن تبتز الآخرين وتهددهم بأسلحتها النووية وتحرمهم من امتلاك تلك القدرة؟ إن هذه الثرثرة التي لا تنتهي حول منع الانتشار، وذلك الصّمت المطبق عن ضرورة الانتقال إلى مرحلة تخليص العالم كله من هذا الخطر، يثيران الكثير من الشكّ والريبة في نوايا الدول النووية جميعها! ثانياً: هل حقاً إن هناك دولاً لا يفرز نظامها السياسي إلا قادة حكماء ومتّزنين، وبالتالي فلا خوف على العالم من امتلاكها للأسلحة النووية، بينما هناك دول أخرى لا يلد نظامها السياسي إلا المعتوهين والطائشين، وبالتالي يجب أن تُحرم كلياً من ذلك السلاح؟ ماذا إذن نقول عن إفرازات النظام الذي يدّعي أن ديمقراطيته تحميه من الشّطط، ونعني به النظام السياسي الأميركي؟ ألم يفرز في ثمانينيات القرن الماضي إدارة الرئيس رونالد ريجان الذي قال عنه الصحفي الأميركي "روني دجر" إنه كان يؤمن بما تقوله الأصولية المسيحية عن "معركة هرمجدون" في فلسطين والتي ستبدأ بحرب نووية وتنتهي برجوع المسيح المخلِّص؟ ألم يفرز ذلك النظام كاسبر واينبرجر، المعني آنذاك بالأمن القومي، والذي كان يردد نبوءات "العهد القديم" حول اقتراب نهاية العالم، في محاضراته ومقابلاته؟ ألم يفرز ذلك النظام نفسه الجنرال "جون فازي"، رئيس الأركان في الجيش الأميركي آنذاك أيضاً، والذي كان يطلب من شباب أميركا الالتحاق بـ"جيش الله" الأميركي لإلحاق الهزيمة بجيوش أعداء المسيح؟ ألم يفرز القيادة الأميركية الحالية والتي تعيش الإشراقات والإيحاءات الدينية بتأثيراتها في السياسة الخارجية الأميركية، وعلى الأخص في منطقة الشرق الأوسط؟ هل حقاً أن هكذا أنظمة وهكذا قادة، سواء في أميركا أو في غيرها من الدول النووية، يمثلون ضمانة مؤكدة ضدّ استخدام الأسلحة النووية في صراع المصالح؟ ثالثاً: هل تتقدم الالتزامات الدولية، والتي هي في الغالب تقررها وتمليها وتفرضها الدول الكبرى، على الالتزامات القومية والإسلامية؟ ما الذي سيبقى من التضامن القومي والأخوة الإسلامية إن تقدم عليهما الالتزام بالقرارات الدولية التي تبيِّن زيف وعدم صواب كثير منها؟ هل نستطيع أن ننسى القرار الدولي الذي أجاز غزو العراق، والذي بني كله على الظنّ والكذب والتلفيق؟ على كل حال ليست الأسئلة السابقة مما تسهل الإجابة عليه، لكن لا يُقصد من طرحها الإيحاء بتأييد هذا الموقف أو ذاك، لكنها أسئلة يجب ألا نتجنبها كثيراً، سواء باسم الواقعية أو باسم ثارات أتعبت العرب والمسلمين عبر قرون طويلة. نحن أمام حقوق دولية يجب أن تكون متساوية، وأمام أنظمة سياسية في عالم اليوم غير مثالية، وأمام التزامات قومية وإسلامية يجب عدم التفريط فيها... فالمطلوب أن نلتزم بتحكيم العقل والضمير العادل والمبادئ السامية!