في الثمانينات اشتهرت فرقة موسيقية تغني "الروك" عرفت بإحدى أغنياتها ذائعة الصيت تتردد فيها لازمة كئيبة تقول "إنني لا أسمع سوى أخبار سيئة تأتي من إفريقيا". وبالنظر إلى تاريخ إفريقيا طيلة الفترة التي تلت التحرر من الاستعمار كانت تلك اللازمة تعبيراً صادقاً عن واقع أليم مزقته الحروب الأهلية والمشاكل التنموية المستعصية عن الحل، إلى درجة صارت معها إفريقيا مرتبطة في أذهان الناس بالصراع والفوضى، ثم الفساد المستشري في بلدانها. غير أن الواقع المرير قد يتغير خلال 2006 الذي يصادف الاحتفال بالذكرى الخمسين لحصول أول بلد إفريقي جنوب الصحراء على استقلاله متمثلاً في السودان. ويتوقع أن يشكل العام الجاري منعطفاً حقيقياً في تاريخ القارة السمراء بما يحمله من أخبار سارة تبشر بقرب تغير النظرة السلبية التي ارتبطت بإفريقيا لفترة طويلة. وإفريقيا، كما بات معروفاً، للجميع اكتسبت سمعة سيئة فيما يتعلق بالحروب الأهلية وسهولة اندلاعها في قارة تتوزع بين العديد من الشعوب والقوميات المختلفة. فحسب تقرير للبنك الدولي شهدت عشرون دولة إفريقية منذ 1961 حروباً أهلية على الأقل خلال فترة من فترات تاريخها. غير أنه بحلول 2006 بدأت القارة السمراء تحرز تقدماً ملحوظاً في إخماد فتيل حروبها الأهلية، لاسيما فيما يخص إحدى أشرس وأطول الحروب التي عرفتهما طيلة السنوات الماضية. ففي أوغندا اندلعت حرب طاحنة منذ 1987 وصفت من قبل "جان إيجلاند" المسؤول الأممي المكلف بالشؤون الإنسانية على أنها "أكبر أزمة إنسانية في العالم تعرضت للإهمال". ويكفي الإشارة إلى الأرقام القاتمة للتدليل على حجم المأساة في أوغندا، حيث أودت الحرب الأهلية التي استمرت لأكثر من عشرين سنة بحوالى 12 ألف قتيل من المدنيين، وتسببت في نزوح أكثر من مليوني شخص عن قراهم، فضلا عن تعرض 20 ألف طفل للاختطاف وتدمير الاقتصاد في المناطق الشمالية من البلاد. لكن في الأسابيع القليلة الماضية وقع ما لم يكن في الحسبان، حيث تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين الحكومة الأوغندية وجماعة "جيش الرب" التي تستعد حسب الاتفاق إلى وضع السلاح وإمكانية المشاركة في الحياة السياسية. وغير بعيد عن أوغندا تشهد الدولة المجاورة بوروندي تحركاً مماثلاً في اتجاه إقرار السلام في البلاد بعد حرب عرقية خلفت أزيد من 300 ألف قتيل منذ اندلاعها سنة 2003 جلهم من المدنيين. فقد وافقت أخيراً إحدى المليشيات المسلحة التي كانت ترفض التفاوض مع الحكومة في السابق على التوقيع على اتفاقية للسلام مع الحكومة ممهدة الطريق لإنهاء حرب ضروس دامت طويلاً. وقريباً من بوروندي تشهد جمهورية الكونجو الديمقراطية التي مزقتها حرب أهلية لعدة سنوات أسفرت عن مقتل أربعة ملايين شخص أول انتخابات حرة نظمت بالبلاد في شهر يوليو الماضي مع جولة أخرى للانتخابات الرئاسية في 29 من شهر أكتوبر. وفي تأييد شعبي واسع للمسلسل الانتخابي شارك ما لا يقل عن 18 مليون كونجولي في الانتخابات السابقة، وذلك وعياً منهم بدورهم المباشر في دعم العملية الديمقراطية الوليدة في البلاد. ولا يقتصر الحماس للمشاركة في الانتخابات وتقرير مستقبل البلاد على الكونجوليين، بل هناك أيضاً ليبيريا وبوروندي اللتان شهدتا خلال الإثني عشر شهراً الماضية تنظيم انتخابات حرة ونزيهة بعد حرب شرسة امتدت طيلة عقد التسعينيات. وبالطبع لا يمكن التعويل فقط على اتفاقات وقف إطلاق النار والانتخابات الشفافة لإحراز التقدم في عموم البلدان الإفريقية التي مازال العديد منها يعاني من ويلات الحروب والاضطرابات. لذا تعكف الدول الإفريقية على إصلاح هياكلها التنظيمية من خلال المؤسسات الإقليمية مثل الاتحاد الإفريقي الذي جاء ليعوض الدور السلبي لمنظمة الوحدة الإفريقية بعدما بدأت تضطلع بمهمات حفظ السلام. واقتناعاً بأن مشاكل الحرب والسلام التي تعرفها الدول الإفريقية لا تحل إلا بالاعتماد على النفس بدل طلب المساعدة من الدول الأجنبية قام الاتحاد الإفريقي بتشكيل قوة من سبعة آلاف رجل لحفظ السلام في إقليم دارفور المضطرب. ورغم الانتقادات التي وجهت لبعثة الاتحاد الإفريقي في دارفور بسبب عجزها عن النهوض بمهمة الدفاع عن الأهالي ووقف الاقتتال، إلا أن مجرد اتفاق 53 دولة إفريقية على ضرورة إرسال قوات إلى أحد البلدان المضطربة لحفظ السلام يشكل تقدما على الطريق الصحيح. والأكثر من ذلك يسعى الاتحاد الإفريقي إلى تشكيل وحدة خاصة تسهر على تنظيم الانتخابات في البلدان الإفريقية وتضمن نزاهتها للحد من الخروقات العديدة التي ترافق العملية الانتخابية في العديد من البلدان الإفريقية. ويبقى أمام الدول الإفريقية بذل الكثير من الجهد للنهوض بالتحديات الاقتصادية ومحاربة سوء الإدارة والرشوة المتفشية في هياكل الدول. فحسب المنظمة الدولية "ترنسبارنسي إنترناشيونال" تضم إفريقيا تسعاً من بين الـ 15 دولة الأكثر فساداً في العالم؛ تأتي في مقدمتهم نيجيريا المعروفة بمعدلاتها المرتفعة من الفساد. وفي محاولة منها لتلميع صورتها أمام الرأي العام الدولي شكلت نيجيريا لجنة للتحقيق في تهم الفساد الموجهة إلى بعض المسؤولين وسجنهم أحياناً. ورغم الجهود الحثيثة التي تبذلها الدول الإفريقية مازال ينتظرها الكثير حتى تتغير صورتها السلبية في أنظار العالم، حيث يتعين عليها الإطاحة ببعض أسوأ الأنظمة الاستبدادية والانفتاح على مزيد من الديمقراطية. ومع ذلك لا يمكن إغفال النضوج الذي بدأ يتبدى على الدول الإفريقية بالنظر إلى شروعها في تحمل مسؤوليتها، خاصة الأمنية منها، دون الحاجة إلى تدخل أجنبي. كريس هينيمير ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كاتب ومحلل سياسي أميركي متخصص في الشؤون الإفريقية ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"