بدون لف أو مقدمات، أعتقد أنه لم تعد هناك حجة نتذرع بها نحن أبناء العروبة الأشاوس، لمواصلة التشبث بموقف طائر النعام الذي لا يملك من حيل لمواجهة المخاطر في الغابة سوى إطلاق ساقيه للريح، حتى إذا ما أعياه الجري والمناورة ومحاولة الفرار وشعر باقتراب الخطر، دس رأسه في الرمال على وهم أن إخفاء عينيه عن رؤية الوحش الكاسر، يعني اختفاء هذا الوحش الذي تقترب أنيابه من رقبة الفريسة. نعم ما عادت أمامنا حجة- يقول البعض- لمواصلة هذا الموقف بعد قيام كوريا الشمالية بتجربة التفجير النووي، وهي الدولة الفقيرة الصغيرة في شرق آسيا. لقد أثبتت التجربة الكورية أن زعيق إدارة بوش وتهديداته وإلغاءه لسياسة كلينتون في التفاوض مع النظام الكوري وتقديم الحوافز والمعونات إليه، لم تثر الفزع لدى حكام كوريا الشمالية. كذلك أثبتت هذه التجربة أن حالة احتكار السلاح النووي المقصورة على نادي الدول الخمس الكبرى بالإضافة إلى الهند وباكستان وإسرائيل، يمكن كسرها عنوة، خاصة أن الدول الكبرى التي تحاول منع انتشار الأسلحة النووية طبقاً للاتفاقية الدولية، تعمد إلى مخالفة الاتفاقية جهاراً نهاراً. ففي الوقت الذي تحاصر فيه الدول الصغرى لحرمانها من امتلاك سلاح "رادع" للمخاطر الخارجية تواصل تطوير أسلحتها النووية وابتكار أجيال جديدة منها. في حين أن التزاماتها بموجب هذه المعاهدة تقتضي أن تتخلص تدريجياً من مخزونها من هذا السلاح لا أن تطوره وتزيد من مخزونه. نعم، ما زالت الدول الخمس الكبرى تنتج أجيالاً جديدة، بعضها صالح لاختراق وتدمير المخابئ الغائرة تحت الأرض والجبال، وبعضها نافع لتدمير القوات المعادية في الميدان وبعضها ناجع في ضرب وتدمير مناطق محدودة مدنية في أراضي العدو، في حين أنها تحرم الدول الصغرى من حقها في امتلاك الحد الأدنى من الوسائل لردع الأعداء الحائزين على السلاح النووي عن استخدامه، ومن امتلاك هذا السلاح لإيجاد حالة توازن لا تسمح للأعداء النووين بإملاء شروطهم وفرض هيمنتهم على الإقليم الجغرافي في النزاعات الإقليمية. لقد أدت تهديدات إدارة بوش للنظام الكوري الشمالي الذي كان قد وقع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وأخضع منشآته للتفتيش في ظل سياسة كلينتون الهادئة، إلى حالة انقلاب في سلوك هذا النظام. وفي تقديري، أن إعلان كوريا الشمالية عن الانسحاب من المعاهدة الدولية لحظر انتشار السلاح النووي عام 2004، في عهد إدارة بوش، هو إعلان ناتج عن قراءة متأنية لتجربة صدام حسين مع الولايات المتحدة. لقد اتهمت إدارة بوش نظام صدام بأنه ينتج أسلحة دمار شامل واتخذت من هذا الاتهام ذريعة لغزو العراق والإطاحة بالنظام ووضع صدام في قفص المحاكمة في عام 2003. ولقد تبين للنظام الكوري الشمالي أن خطأ صدام الحقيقي ونقطة ضعفه، يكمنان في عدم قيامه بإنتاج السلاح النووي عندما كانت لديه الفرصة لذلك. لقد كان إنتاج مثل هذا السلاح هو الرادع الوحيد –حسب هذا التحليل- الذي كان سيحول دون التفكير الجاد في غزو العراق، خشية تعريض سلامة القوات المحتشدة لهجوم نووي بمنطق شمشون، الذي هدم المعبد على رأسه ورأس أعدائه في نفس الوقت غير مهتم بالضربة الثانية التي سيلجأ إليها أصحاب المعبد المهدم. من هنا قرر الكوريون "ردع" أي تفكير في غزو بلادهم. في أعقاب التجربة الكورية كتب بعض المحللين الإسرائيليين يقولون، إن هذه التجربة ستشجع إيران على الإسراع ببرنامجها لإنتاج السلاح النووي، ويقولون أيضاً إنه إذا استحال منع إيران من إنتاج هذا السلاح فيجب على إسرائيل أن تخرج قنابلها النووية من على رفوف المخازن علناً لتدرك إيران أن أية ضربة نووية لإسرائيل ستعني قيام إسرائيل بضربة ثانية قادرة على سحق إيران. بهذا يعتقد المحللون الإسرائيليون أنه يمكن تحييد خطر السلاح النووي الإيراني وردعه. والسؤال: على ماذا نعتمد نحن في ردع هذا السلاح النووي أو ذاك، وفي لجم محاولات الهيمنة والسيطرة وإملاء الشروط من هاتين الدولتين؟ وهل ينفعنا موقف النعام؟