في استطلاع للرأي أجرته صحيفة "الاتحاد" مؤخراً، أكد مسؤولون ورجال أعمال وخريجون جامعيون، أن المساعي التي تقوم بها الجهات المعنية لحل مشكلة البطالة حالياً، لا تعدو كونها "وعوداً موسمية" يتم إطلاقها بمناسبة معارض التوظيف التي تنظم بين الفترة والأخرى وغيرها من المناسبات فيما تتزايد الظاهرة بخط تصاعدي، مشيرين إلى أن الأمر يرتبط بممارسات إدارية غير سليمة مثل "الواسطة" والبيروقراطية التي تعوق تعيين الكثيرين ممن يحملون مؤهلات مطلوبة بإلحاح في سوق العمل المحلي، بينما لا يوجد تعاون بين القطاعين الخاص والعام والمؤسسات التعليمية لمجابهة مشكلة البطالة. ورغم أن هذه الاتهامات قد تتجاوز الواقع الحقيقي في مجملها، إذ أن هناك جهوداً مقدرة في أكثر من اتجاه أسهمت جميعها في تقليص قائمة البطالة بين المواطنين من 38 ألف عاطل عن العمل، العام الماضي إلى نحو 26 ألفاً حالياً، بحسب آخر إحصاءات صادرة عن "تنمية"، فإن بعض هذه التهم يحالفها الكثير من الصواب، ويجب التوقف عندها، خاصة فيما يتعلق بتشتت الجهود وغياب التنسيق بين الجهات المعنية بهذه المشكلة التي هي حصاد اختلالات متعددة الجوانب تقتضي معالجتها تعاون الجميع بما يضمن تحقيق الاستقرار الاقتصادي، كما أن هناك حاجة لإعادة تأهيل وتطوير سوق العمل المحلي لجعله أكثر مرونة وكفاءة، حيث إن عدم معالجة مشكلة البطالة سيشكّل تحدّياً كبيراً في الفترة المقبلة لأنها ستنمو وتتعقد وستترتب على ذلك التزامات مالية كبيرة في إعادة التأهيل والتدريب. إن عملية إيجاد فرص عمل منتجة للمواطنين تواجه صعوبات كثيرة، أهمها تشبّع القطاع العام وعجزه عن التوظيف وفق معدلاته السابقة، فضلاً عن أن هذا القطاع آخذ في الانكماش بصورة إجمالية، تحت ضغوط معطيات الإصلاح الاقتصادي الذي تنتهجه الدولة حالياً، وكذلك هناك إشكالية وجود ضغط متصاعد لتوظيف المواطنين في القطاع الخاص، بينما القوى العاملة الأجنبية، خاصة الآسيوية، أقل أجوراً وأعلى مهارة، ما يحدّ من استجابة هذا القطاع لمطالب الحكومة بتوظيف المواطنين. فالنموذج الاقتصادي الحالي للدولة يقوم بالأساس على ميزة انخفاض الأجور وليس على أساس الإنتاجية والمنافسة، ما يعني أن إصلاح سوق العمل يتطلب إصلاح هذا النموذج أولاً. إن إيجاد حلول ناجعة لمشكلة البطالة يتطلب سياسة جماعية تقوم على محاور عدة أهمها، أولاً: ضرورة مشاركة وتفعيل الشراكة الحقيقية بين القطاعين العام والخاص في التوظيف والتدريب والتشغيل، ودعم عملية التعليم والتدريب المستمر للتطوير والإبداع في مجال العمل، بالتنسيق الفعال مع المؤسسات التعليمية، من أجل تعزيز الدور الإيجابي في الهدف والمردود تدريجياً، لما في ذلك من فائدة لجميع الأطراف. ثانياً: ربط النظام التعليمي بحاجات سوق العمل والارتقاء بالمهارات البشرية في العمالة المواطنة، خاصة عن طريق التعليم والتدريب والتأهيل المهني المتواصل. ثالثاً: اتباع سياسات عمالية واضحة، والتخلّي عن سياسات العمل الانتقائية التي سادت قطاع الأعمال لعقود، إذ إن اتخاذ قرار بالسماح باستقدام العمالة الأجنبية يجب أن يعتمد على الحاجات الفعلية للاقتصاد القومي وليس المطالب الفردية لأصحاب العمل. رابعاً: تحرير سوق العمالة الأجنبية، والتخلّي عن نظام الكفيل، وإعطاء دور أكبر للقطاع الخاص لتوظيف عدد أكبر من القوى العاملة الوطنية، مع التخفيف من سياسة المحاصصة، التي يمكن أن تفرز انعكاسات سلبية كبيرة تسهم في زيادة حدّة البطالة على المدى البعيد. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.