هل يتحول "سلاح النفط" إلى سلاح عكسي ضد طهران؟ هل هي بداية مبكرة جداً ومن الملفات الحرجة لرئاسيات 2007 في فرنسا؟ وهل تحول أميركا النفط إلى سلاح عكسي ضد النظام الإيراني؟ وهل تمتثل الصين فعلاً وتطبق قرار العقوبات الدولية على كوريا الشمالية؟ ثلاثة أسئلة نثيرها ضمن جولة سريعة في الصحافة الفرنسية. باريس... بداية نشر الغسيل: يبدو أن حملة الرئاسيات الفرنسية بدأت الآن على مستولى الصحافة على الأقل، فقد بدأت عملية "نشر الغسيل" من خلال إثارة القضايا الحساسة التي يفترض أن تطرح بقوة على مائدة سجال المترشحين المقبلين. وقد شهد هذا الأسبوع إثارة موضوع السجون، وظروف الحياة الصعبة فيها، وذلك على مستوى الشارع، وفي افتتاحيات وأعمدة الرأي في الصحف الكبرى كذلك. وفي هذا السياق نشرت صحيفة لوموند افتتاحية عنونتها "السجن الجمهوري"، قالت فيها إن نتائج استطلاع الرأي الذي أجراه قبل أيام "المرصد الدولي للسجون"، أكدت أن الأحوال في السجون الفرنسية ليست على ما يرام، بأي شكل. ففي الوقت التي يقبع فيها 57 ألف محتجز فإن طاقتها الاستيعابية ما زالت كما كانت أي 49 ألف نزيل، بمعنى أن هنالك 2000 نزيل زيادة عن العدد المقبول أصلاً. واعتبرت الصحيفة أن عدم إصلاح القطاع الاجتماعي سببه الرئيسي غياب الإرادة السياسية للتغير والإصلاح. هذا الآن، أما مستقبلاً فقد مل الجمهور العام من وعود الشعبويين من كل صنف ولون، ومن البرامج الخيالية للمرشحين للرئاسة في كل دورة انتخابية. وطالبت لوموند المتسابقين الآن للترشح لرئاسيات العام المقبل أن يضعوا مسألة دعم برامج الإصلاح والتأهيل والتكوين المهني داخل السجون، لكي تتحول من مواقع عقابية إلى مواقع تكوين وتدريب، لأن هذا هو ما يجعلها "سجوناً جمهورية"، أي عاكسة لقيم الجمهورية وقوانينها. وفي سياق آخر، وعلى ذكر السجون، نشرت صحيفة ليبراسيون مقالاً بعنوان: "الخيام... ذاكرة لبنان المفقودة"، تحدث فيه مراسل الصحيفة من الجنوب اللبناني، وتحديداً مما تبقى من موقع معتقل الخيام الرهيب، عن الأسباب التي جعلت إسرائيل تركز القصف على هذا السجن الذي تحول بعد انسحاب إسرائيل سنة 2000 إلى متحف، واعتبر المراسل أن ما أرادته القيادة الإسرائيلية هو طمس ذاكرة الضحايا الذين عانوا في هذا السجن عشرات السنين. أما الضحايا أنفسهم فقد تحدث بعضهم عن سبب آخر، وهو أن إسرائيل تريد طمس معالم جرائمها بحق الإنسانية عن الأنظار، وهي الجرائم التي كان سجن الخيام رمزاً لها، يقول أحد الضحايا. البترول... "كعب أخيل" نظام طهران: تحت هذا العنوان كتب إيان بريمر مقالاً تحليلياً أمس في صحيفة لوفيغارو استعرض فيه الخيارات المتاحة أميركياً للتعامل مع إيران. ويرى الكاتب أن تجربة كوريا الشمالية الأخيرة ربما تفتح شهية بلدان أخرى للسير في نفس الطريق وفي مقدمتهم إيران التي يستبعد أن تصل إلى حد استخدام القوة في سبيل الإبقاء على برنامجها النووي. ولذلك فالحل الوحيد أمام الإدارة الأميركية للجم الطموح النووي الإيراني هو معرفة السبيل الصحيحة لترويض النظام، وليست أفضل طريقة هنا استخدام القوة، بالضرورة، بل لابد تعامل ذكي مع صادرات النفط. فصادرات النفط -يقول الكاتب- هي كعب أخيل النظام الإيراني، خاصة أن ميزانية البلاد تعتمد بشكل أساسي وبنسبة 80% على صادرات النفط. وبدل أن تلوح طهران من حين لآخر بإمكانية وقف صادراتها أو تهديد انسيابية الملاحة في مضيق هرمز، وهو ما يؤدي إلى ارتفاعات جنونية في أسعار النفط، على أميركا أن تحوِّل سلاح النفط إلى سلاح عكسي ضد طهران، فتتوقف عن إطلاق أية تهديدات من أي نوع ضد إيران، بل أن تعمل على التهدئة معها. ويذهب كاتب المقال إلى رسم سيناريو أكثر تخيلية من ذلك بكثير، فيطالب الرئيس بوش بدعوة الرئيس الإيراني، وإن أمكن استضافته في مزرعة كروفورد، وحتى الإشراف على إعداد الفطور له، إلى آخر المظاهر والمبادرات المعبرة عن حسن النوايا، وعندما يفعل بوش ذلك، ستنخفض تلقائياً أسعار النفط بطبيعة الحال، وهو ما سيجعل النظام الإيراني في وضع صعب ويدفع ثمن مواقفه، على عكس الحالة الراهنة التي يجني فيها أرباحاً خيالية من ارتفاع أسعار النفط في الأسواق الدولية نتيجة التصعيد القائم حول ملف طهران النووي. وفي صحيفة لوفيغارو أيضاً كتب ألكسندر أدلر مقال رأي تناول فيه مظاهر بداية انحسار نفوذ التيار الإنجيلي في أميركا، داعياً الأميركيين لإعادة قراءة موقع وتأثير هذا التيار. أما في صحيفة لومانيتيه فقد كتب "برينو أودنت" مقالاً بعنوان: جورج بوش والجمهوريون في موقف الدفاع"، استعرض فيه أوجاع الرئيس الأميركي في العراق التي تعمقت خاصة خلال هذا الشهر الذي ضرب فيه عدد الخسائر في الجنود الأميركيين رقماً قياسياً وصل 70 قتيلاً منذ بداية أكتوبر الجاري. ويرى الكاتب أن الثمن الذي سيدفعه الرئيس بوش وحزبه الجمهوري في انتخابات التجديد النصفي المقبلة سيكون باهظاً للغاية، فثمن إخفاق بهذا الحجم لا يمكن إلا أن يطيح العديد من رؤوس المرشحين في انتخابات "التجديد". ازدواجية صينية: تحت هذا العنوان نشرت صحيفة لوموند افتتاحية اعتبرت فيها أن أول ما قفز إلى الأذهان بعد قرار مجلس الأمن الدولي بمعاقبة كوريا الشمالية هو: هل يمكن التعويل حقاً على الصين؟ هل يمكن تصور أن تعمل بكين على تطبيق العقوبات ضد بيونج يانج بفاعلية؟ وتأتي أهمية حقيقة الموقف الصيني من أن بكين هي العاصمة الوحيدة في العالم التي تستطيع فعل شيء مؤثر وذي معنى مع بيونج يانج، وبدونها فإن كل قرارات مجلس الأمن ستبقى مجرد حبر على ورق. فالصين تحد كوريا الشمالية برياً وبامتداد 1400 كلم، كما أنها هي مزودها الرئيسي بالمحروقات وبالإمدادات الغذائية أيضاً، وهي إلى ذلك مرتبطة بها سياسياً منذ الحرب الكورية. صحيح –تقول لوموند- أن الصينيين صوتوا لصالح القرار الأممي بمعاقبة كوريا الشمالية، ومع أن مغامرة كيم يونج إيل تضر بالمصالح الصينية ومن شانها أن تطلق سباق تسلح إقليمي وتجعل بالتالي فضاء التنمية في آسيا متعكراً وهذا ما لا تريده الصين، ولكن التداخل في المصالح أيضاً وخشية بكين من موجة لجوء من جارتها الفقيرة في حالة أي تصعيد، لابد أنها تغل يد بكين عن المزيد من القوة في الضغط على بيونج يانج. إعداد: حسن ولد المختار