لقد أثارت التفجيرات النووية السرية تحت سطح الأرض في كوريا الشمالية موجة قلق عالمي، بينما سارع مجلس الأمن الدولي إلى عقد جلسة طارئة لمناقشة تلك الأزمة. ولذلك فإن علينا أن ندير هنا نوعاً من الحوار الموضوعي الهادئ حول ما يمكن فعله حيال بيونج يانج. وما دام الأمر هكذا، فهل نحن على شفا حرب شاملة ضد كوريا الشمالية؟ والإجابة القاطعة على هذا السؤال هي النفي المطلق. ذلك أن إدارة بوش قد نفت أن تكون لها أية نوايا أو خطط حربية ترمي إلى شن حرب أو توجيه ضربة عسكرية لهذه الدولة الشيوعية المارقة. والشاهد أنه ليست لأميركا خيارات مبشرة تذكر في هذا الصدد، حتى وإن كان في نوايا واشنطن ومخططاتها، توجيه ضربة من هذا النوع في الوقت الحالي. وبعد فإن علينا أن نتساءل عن مدى جدوى العقوبات الدولية التي أصدرها مجلس الأمن بحق كوريا الشمالية. والإجابة أنه سوف يكون في مقدور هذه العقوبات تجميد بعض الأصول المالية وفرض حظر على طيران بعض المسؤولين، إلى جانب سعيها إلى فرض حظر على تصدير واستيراد المواد المستخدمة في تطوير الأسلحة النووية. والمؤكد أن هذه العقوبات قد تحيل الحياة إلى قطعة من الجحيم بالنسبة للقائد الشيوعي كيم يونج إيل، غير أنها لن تكفي وحدها لوضع حد لبرامجه وأسلحته النووية التي عقد العزم على تطويرها. وعلى الرغم من أن القرار الدولي الذي نص على فرض هذه العقوبات قد صدر بإجماع مجلس الأمن، إلا أن مدى النجاح الذي يمكن إحرازه في تطبيقه، يظل رهناً إلى حد كبير، بمواقف كل من الصين وروسيا العملية إزاءه. وهنا يجب علينا الانتقال إلى سؤال آخر يتعلق بمدى الخطر والمهدد الأمني الذي يمثله كيم يونج إيل، فيما لو تمكن من الاستمرار في تطوير برامجه وأسلحته النووية. وعلى رغم كثرة وتشعب التكهنات والآراء في الإجابة عن سؤال كهذا، إلا إنه يمكن القول إن ما يعرف عن الزعيم الكوري الشمالي هو غرابة أطواره ومكره وتكتمه وسريته المفرطة، ولكن دون أن تصل به هذه الصفات مجتمعة إلى كونه انتحارياً. لذلك فإنه ربما يكون في مقدوره وضع رأس نووي في أحد صواريخه التي طورها مؤخراً. بيد أنه يعلم حق العلم أن المخاطرة بإطلاق أي من هذه الصواريخ على الولايات المتحدة الأميركية أو أي من حلفائها، سوف يترتب عليه رد عسكري قاسٍ، من شأنه إلحاق دمار شامل بالجزء الأعظم من بلاده بأسرها. ولذلك فهو لا يستطيع المغامرة ولا اللعب بنار حارقة كهذه. وبهذا نكون قد وصلنا إلى السؤال المنطقي: إذن فلماذا كل هذا القلق الذي تبديه واشنطن، طالما أن الزعيم الشيوعي مدرك لمغبة ونتائج المغامرة النووية؟ هناك دافعان يفسران هذا القلق الأميركي حيال الخطر الأمني النووي الكوري. أولهما أنه في مقدور الزعيم الكوري تزويد إحدى الجماعات الإرهابية بقنبلة نووية صغيرة قابلة للحمل في حقيبة ملابس عادية، يتمكن بواسطتها أي منهم من شن هجمة نووية مدمرة على أي مدينة من كبريات المدن الأميركية. وهناك من الشواهد القريبة الدالة على تزويده لمثل هذه الجماعات بالأسلحة، ليس دفاعاً عن مبادئ وقيم أيديولوجية يؤمن بها، وإنما للجشع ولنيل مكاسب مادية في المقام الأول. أما الهاجس الثاني الذي يؤرق أميركا، فهو أن يؤدي استمرار بيونج يانج في تطوير أسلحتها وبرامجها النووية، إلى تسريع سباق جاراتها الآسيويات في الجزء الجنوبي من شبه الجزيرة الكورية نفسها، ثم في اليابان وتايوان وغيرها في تطوير وصنع ترساناتها من هذه الأسلحة. ثم إن علينا ألا ننسى سؤالاً مهماً حول ما الذي يريده الزعيم "كيم" على وجه التحديد؟ وهنا أيضاً تصعب الإجابة وتكثر التكهنات. غير أن المؤكد أن بعض الذي يرمي إليه الزعيم الكوري من إلحاحه على تطوير أسلحته النووية، هو إرغام الآخرين على احترام دولته الصغيرة البائسة، والتعامل معها على أساس الندية ومساواة الأكتاف. وليس أدل على ذلك من إصراره على عقد محادثات مباشرة ووجهاً لوجه مع الرئيس الأميركي. وبعد فما الذي يمنع الرئيس الأميركي من لقائه إذن؟ في الواقع تتوفر اليوم عدة قنوات لإجراء حوار كهذا بين الرئيسين، علاوة على توفر فرصة لعقد قمة مشتركة بينهما. والملاحظ أن الرئيس بوش قد تراجع نوعاً ما عن نهج أحاديته السافرة في الخطاب الافتتاحي الذي ألقاه بمناسبة تجديد دورته الرئاسية في ولايته الثانية، وبدا أكثر ميلاً للجماعية والجهد الدولي. ثم إن بوش يبدي قلقاً خاصاً إزاء الصين، لاسيما بعد الميل الواضح الذي أبدته ناحية كوريا الشمالية، فيما يتصل بأن يكون للصين دور قيادي في المحادثات السداسية الجارية مع بيونج يانج. وإذا كان الزعيم "كيم" قد أجاد لعبة المراوغة وتمكن من خداع الإدارات الأميركية الواحدة تلو الأخرى، وواصل تطوير أسلحته النووية، فما جدوى عقد صفقة معه، وما مدى خطورة كل ذلك وتأثيراته على دول طامحة أخرى مثل إيران؟ والإجابة أن العسر الاقتصادي الذي تواجهه بلاده، ربما يدفعه إلى مقايضة جزرة المعونات الاقتصادية والمالية بالبرامج النووية التي لا تجلب له سوى المزيد من الفقر والدمار. أما تأثيرات هذا التعنت النووي من قبل بيونج يانج على الدول الأخرى –لاسيما إيران- فهو خطر التحريض وتقديم الأسوة السيئة في توسيع نطاق الانتشار النووي غير الشرعي. جون هيوز ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مساعد وزير الخارجية في إدارة ريجان ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"