الزكاة في اللغة تدل على النماء والزيادة، وقد سميت الزكاة زكاةً كما جاء في تعريفها، لأنه يزكو بها المال بالبركة ويطهر بها المرء بالمغفرة، حيث يقول الله تعالى: "قد أفلح من تزكَّى"، وهي الركن الثالث من أركان الإسلام. ولأهميتها فقد قُرنت في القرآن الكريم بالصلاة في مواقع كثيرة، ومن ذلك قوله تعالى: "وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة". وهي حق معلوم أوجبه الله تعالى في أموال المالكين للنصاب الشرعي، تؤخذ من أغنياء المسلمين لترد على فقرائهم. وهي ذات أهداف اجتماعية واقتصادية وسياسية تتمثل في أنها رابطة بين العبد وربه والعبد والمجتمع، تحرر الإنسان من ذل التعلق بالمال وتحقق للمجتمع الإسلامي الأخوة والمحبة بأبعادها الواسعة وتطفئ نار الحقد والحسد والكراهية في نفوس المحرومين من الفقراء ضد الأغنياء، وهي علاج اجتماعي مهم لتحقيق العدالة الاجتماعية وعلاج مشكلات المجتمع، مثل الفقر والبطالة والعجز والتخلف، كما أنها دواء لعلاج مشكلات التنمية في المجتمع. ما دفعني للحديث عن فريضة الزكاة وأهميتها، الخبر الذي نشر في إحدى الصحف المحلية، وتحدث عن أن زكاة الـ12 مليارديراً في الإمارات تبلغ 3 مليارات و370 مليوناً و895 ألف درهم، وأن زكاتهم لمرة واحدة فقط تكفي سد حاجة فقراء الإمارات لمدة 20 عاماً. السؤال المهم هنا: إذا كان هذا هو مجموع زكاة 12 مليارديراً، فما هي زكاة 59 ألف مليونير في الإمارات، والذين كشف عنهم تقرير الثروة العالمية الذي أصدرته "ميريل لينش" ومؤسسة "كابجيميناي" مؤخراً؟ كيف سيكون وضع المجتمع الإماراتي لو أن كل هؤلاء دفعوا فريضة الزكاة بشكلها الصحيح والمستمر؟ الإجابة: أنه لن تجد على أرض الإمارات فقيراً أو محتاجاً أو مديوناً، لن تجد مشكلات اجتماعية تتحمل الآن الحكومة الكثير في علاجها والتخفيف من حدتها. مشكلة الأثرياء أنهم أصبحوا ينظرون إلى فريضة الزكاة كأنها حالة فردية اختيارية، لذلك غابت من واقع حياتنا اليومية. بعضهم يصر على عدم دفعها والبعض الآخر يخرج جزءاً ويخفي الباقي أو يخلط بين الصدقة والإحسان والزكاة، خاصة في ظل عدم وجود قانون يلزم بدفع الزكاة. لذلك وهذه الإشكالية لن تحل إلا بوجود قانون ينص على استيفاء الزكاة من الأفراد والشركات وفق ما تنص عليه الشريعة الإسلامية، ولابد أن يتم تفعيل دور صندوق الزكاة. لكن لا يجب أن تتوقف مسؤولية الأثرياء في مجتمعنا عند موضوع الزكاة، بل يجب أن يصل دورهم إلى المسؤولية الاجتماعية التي هي واجب رد الجميل للدولة التي سهلت لهم الفرص لتصل ثرواتهم لهذا الحجم، والتي تم إهمالها بشكل كبير، بحيث أصبحت هناك فجوة بين الأغنياء والفقراء. لابد أن يخصص الأثرياء جزءاً من ثروتهم للنشاط الاجتماعي، وأن يساهموا في دعم المشاريع الخيرية، وفي دعم التعليم والصحة، وأن يفكروا بحق المجتمع عليهم خاصة أنهم لا يدفعون ضرائب. إلا أن هذه المساهمة يجب ألا تتحول إلى نوع من الوجاهة والمظهرية والنفوذ والدعاية الشخصية أو المنافع المادية السريعة، كما يفعل البعض أحياناً. إن المقارنة بين الدور الاجتماعي الذي يقوم به الأغنياء في الغرب والذي يقوم به الأغنياء عندنا، تكشف حجم القصور وعمق الخلل بين الدورين، ويكفي أن أشير إلى ثلاثة أمثلة: 1- "بيل غيتس" رئيس مجلس شركة شبكة "مايكروسوفت" العالمية وأغنى رجل في العالم، خصص ثلث الدخل الذي حصل عليه طوال عمره في البر والإحسان، وتبرع لمؤسسته الخيرية بمبلغ 29 مليار دولار، وخصص 80% من وقته للعمل في المؤسسة، وقال سأدرس ملفي الصحة والتعليم، لكي تعزز الولايات المتحدة قوتها. وأضاف أنه من الضروري أن يتحسن أداء نظامنا التربوي بشكل كبير، إنني أرغب في التعمق في دراسة هذا الملف وأود الجلوس في الصفوف في المدارس وقراءة الكتب. 2- "وارن بافيت" ثاني أغنى رجل في العالم، تبرع بـ85% من ثروته لخمس مؤسسات خيرية، كان نصيب الأسد منها لمؤسسة "بيل غيتس"، وقال: أنا أعلِّم أبنائي دائماً أن الأرباح والثروات التي تأتي من المجتمع والشعب يجب أن ترتد بجزء كبير منها إليه مرة أخرى، وأبنائي لا يدفعون أموالاً للخير فحسب وإنما يضخون تفكيرهم وجهدهم في هذه المؤسسات ولهذا أنا فخور بهم. 3- المليونير "تيد تيرنر" صاحب شبكة تلفزيون "سي. أن. أن" الإخبارية، أنشأ مؤسسة في الأمم المتحدة ودفع مليار دولار لدعم مشاريع الأمم المتحدة الخاصة بالبيئة والنساء والأطفال والصحة والسلام وحقوق الإنسان.