في خضم التعليقات والتحليلات الأميركية والأوروبية والإسرائيلية التي تدفقت في الصحافة، منذ إعلان كوريا الشمالية عن القيام بتجربة تفجير قنبلة نووية، ظهر اسم أكثر من دولة عربية. كان الاسم الأكثر تردداً هو مصر، ربما لأنها الدولة العربية الأكبر، وربما لأنها أعلنت عن استئناف برنامجها النووي للأغراض السلمية منذ شهر وربما لأن لديها خبرة سابقة في إدارة مفاعلات نووية، ولو كانت صغيرة أو تدريبية، مثل مفاعل "أنشاص" الذي ما زال يعمل حتى الآن، وربما بالإضافة إلى هذا كله، لأن دول الخليج العربي يمكن أن تلقي بثقلها خلف مصر لتنفيذ مشروع البرنامج النووي السلمي كما اعتادت أن تفعل في اللحظات التاريخية المهمة، مثلما يسجل التاريخ في حرب أكتوبر 1973 عندما تدفق الدعم المالي ومشتريات الأسلحة والذخائر من الأشقاء إلى مصر، وكما دأبت أيضاً على الفعل في مجال الدعم الاقتصادي ومساندة عمليات التنمية، كما رأينا في المدن التي بناها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان دعماً لبرامج التعمير المصرية. السياق الذي يرد فيه اسم مصر في التعليقات والتحليلات الدولية، التي ينشرها ساسة سابقون أو محللون استراتيجيون أو خبراء في مراكز بحوث مساندة لصناع القرار في بلادها، هو سياق يبدو لي منطقياً، بل وأتمنى أن ينظر المصريون والعرب إليه باعتباره بالفعل منطقاً يمكن تبنيه والأخذ به. السياق يقول بأشكال مختلفة إن تجربة بيونج يانج لتفجير قنبلة نووية تمثل إشهاراً للتحدي من جانب الدول الصغرى للدول الصناعية الكبرى التي تحتكر عضوية نادي الأسلحة النووية، والتي ما زالت تسعى وتعمل على تطويره وتطوير استخداماته بإنتاج قنابل نووية تكتيكية، بعضها لاختراق الحصون الغائرة في الجبال، وبعضها للاستخدام المحدود في ميادين القتال، وما إلى ذلك من أوجه الاستخدام المتطور. طبقاً لهذا السياق ضربت كوريا الشمالية مثلاً وقدوة لإيران في الشرق الأوسط، بأنه يمكن تحدي الولايات المتحدة زعيمة النادي النووي الاحتكاري وصاحبة الضربة النووية الأولى والأخيرة في العالم في هيروشيما ونجازاكي في نهاية الحرب العالمية الثانية. وتبعاً لهذا السياق أيضاً، فإن كوريا الشمالية الفقيرة التي تعتمد على الدول الكبرى وبينها الولايات المتحدة والصين في توفير إمدادات الغذاء والنفط لجماهيرها، أمكنها أن تطلق حالة عزة وطنية بين مواطنيها بهذه التجربة النووية تعينهم على تحمل التقشف واحتمال آثار العقوبات الاقتصادية، في حين أن إيران دولة غنية بمصادرها النفطية، وبالتالي فهي لا تخشى من تأثير العقوبات الاقتصادية على أوضاعها الداخلية، وفي مقدورها أن تواصل برنامجها، وأن تنتهي إلى إنتاج سلاح نووي اعتماداً على المزايا الجماهيرية التي يقدمها هذا الخيار للنظام بالتفاف الجماهير حوله بدافع العزة الوطنية. ترتيباً على هذا السياق التحليلي الوارد في عشرات المقالات المنشورة في العالم باللغات المختلفة يمكن للعرب ولمصر أن تستنج ما يلي: 1- التوقيع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية ليس عائقاً يحول دون التخطيط لبرنامج نووي سلمي يمكن تحويله إلى برنامج عسكري. 2- نفوذ واشنطن في العالم بدأ يتضعضع وإن قوى صغيرة مثل كوريا الشمالية في شرق آسيا، ومثل إيران في الشرق الأوسط، في مقدورها الإفلات من قيود الحظر النووي التي تفرضها الولايات المتحدة على أعدائها، في حين تسمح بها لأصدقائها كما هو في حالة إسرائيل. 3- قدرة أميركا على تحجيم ولجم الدول الصغرى المنتجة للسلاح النووي، تبدو معدومة في ظل مسارعة هذه الدول إلى إنتاج السلاح والتهديد باستخدامه في حالة التصدي الأميركي العسكري لها، كما تفعل كوريا الشمالية حالياً. 4- معنى هذا، أن تجد الدول العربية نفسها خلال سنوات قليلة مكشوفة لسلاح نووي إسرائيلي، توافق عليه أميركا وآخر إيراني لا توافق عليه أميركا ولا تستطيع عمل شيء لردعه. وهو وضع انكشاف يرى المحللون أنه سيدفع مصر والعرب إلى خيار الحصول على السلاح النووي لردع وتحييد المخاطر التي يواجهونها. فهل يصح السياق؟