الأقوال المتداولة في الساحة الدولية تذهب إلى أنه في حالة عدم نجاح عقوبات الأمم المتحدة في التأثير على كوريا الشمالية، فإنه لن يكون هناك حل متبق سوى قصف بيونج يانج، وهو ما سيؤدي بدوره إلى رد فعل انتقامي من نظام كوريا الشمالية يمحو سيؤول من الوجود. مع ذلك يمكن القول إن الأزمة النووية الكورية قابلة للحل بشرط أن يكون لدى قوة كبرى معينة الرغبة في حلها. فهناك دولة واحدة تمتلك القوة العسكرية والاقتصادية والسياسية ليس فقط للضغط على كوريا الشمالية وإجبارها على التخلي عن قنبلتها، ولكن الإطاحة بالنظام فيها إلى الأبد إذا ما أرادت. هذه القوة الكبرى هي بالطبع الصين. وعلى الرغم من أن تعبير الصين الأسبوع الماضي عن إحساسها بـ"الصدمة والرعب" جراء التجربة النووية الكورية الشمالية، إلا أنها عادت وأعلنت عن معارضتها " التامة" لأي هجوم عسكري على تلك الدولة. مع ذلك يمكن القول إن الصين لديها من وسائل الضغط على كوريا الشمالية أكثر من تلك الموجودة لدى أي دولة من الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، بل ومن جميع دول الجمعية العمومية مجتمعة. كل ما على الصين أن تفعله هو قطع إمدادات الطاقة والمواد الغذائية وإنهاء جميع المعاملات التجارية مع النظام الكوري الشمالي. ويمكنها إذا ما أرادت أن تجعل سقوط هذا النظام أسرع وأسهل أن تتبع معه نفس التكتيك الذي تم إتباعه ذات يوم وأدى إلى انهيار ألمانيا الشرقية وهو القيام بفتح الحدود الفاصلة بينها وبين كوريا الشمالية بدلاً من إغلاقها أو تشديد الإجراءات عندها، وهو ما سيؤدي كما يقول بعض المحللين إلى تدفق ما يقرب من 500 ألف كوري شمالي عبر الحدود سعيا نحو الحرية، وهو عدد كفيل بإسقاط نظام كيم يونج إيل. طالما أنه في مقدور الصين تدمير، أو إنقاذ نظام كيم يونج إيل، فما المقصود إذن بالقول إن مسؤولية التعامل مع برنامج الأسلحة النووية الكوري الشمالي تقع على عاتق الولايات المتحدة. فالولايات المتحدة تختلف عن الصين في أنها لا تمتلك أدوات الضغط التي يمكن لها استخدامها ضد كوريا الشمالية. فليس هناك علاقات تجارية ذات أي أهمية بينها وبين تلك الدولة، كما لا توجد بينهما حدود مشتركة. على الرغم من ذلك، فإن الولايات المتحدة كانت هي الدولة التي قادت الجهد الدولي الرامي إلى إقناع مجلس الأمن- والصين عضو من أعضائه الدائمين- من أجل فرض عقوبات ضعيفة ليس من المرجح أن يكون لها أي تأثير. أنا طبعا أحاول أن العب دور "محامي الشيطان" عندما أقول ذلك: فأنا أدرك طبعا أن التزامات أميركا طويلة الأمد تجاه اليابان، والوجود العسكري الأميركي في شبه الجزيرة الكورية منذ خمسين عاما ونيف، قد جعل واشنطن في قلب هذه المناقشة، كما أدرك أيضاً أن هناك التزامات معنوية من ناحيتنا تجاه كوريا الجنوبية على الرغم من أن كثيرين في الولايات المتحدة، قد توقفوا منذ زمن طويل عن الإحساس بأي عرفان بالجميل تجاه المساعدات التي قدمناها لهم. على الرغم من ذلك فإن ما يبدو غريباً للغاية أن يقوم الدبلوماسيون الأميركيون بتحمل تبعات مشكلة لا يستطيعون حلها بل إن الأغرب من ذلك أن يحاولوا هم حل المشكلة بالنيابة عن الدولة الوحيدة التي تمتلك القدرة على حلها. والصين ليس هي الدولة الوحيدة التي لديها القدرة على حل الأزمة الكورية فقط ولكن هناك سببا آخر يدعوها للاهتمام بهذه الأزمة هو أنها– بالإضافة بالطبع إلى كوريا الجنوبية واليابان- معرضة بشكل كبير لتداعيات امتلاك كوريا الشمالية لأسلحة نووية. فالصين في النهاية- وليس الولايات المتحدة- هي التي ستجد نفسها في قلب سباق أسلحة ضارة في القارة الآسيوية إذا ما وجدت اليابان وكوريا الجنوبية نفسيهما مضطرتين إلى الحصول على أسلحة نووية. والصين- وليس الولايات المتحدة- هي التي ستشعر بتأثيرات الغبار النووي، إذا ما قامت كوريا الشمالية يوماً باستخدام أسلحتها النووية. وعلى الرغم أنه ليس من المعروف على وجه التأكيد ما إذا كانت صواريخ كوريا الشمالية تستطيع الوصول إلى هاواي أم لا، فمن المؤكد بالطبع هو أن بكين وشنغهاي وهونج كونج تقع داخل مدى تلك الصواريخ تماما. ألا يدفع كل ذلك للاعتقاد بأن تلك المشكلة هي مشكلة الصين وليست مشكلتنا؟ مع ذلك يمكن القول إنه على نحو أو آخر، سيبدو حصول كوريا الشمالية على أسلحة نووية في نظر الكثيرين على أنه يمثل دليلاً آخر على فشل الدبلوماسية التي اتبعتها الولايات المتحدة في التعامل مع تلك الدولة، كما إن إدارة بوش على نحو أو آخر هي التي تتلقى اللوم فعلاً من مختلف أنحاء العالم على التفجير الأخير الذي قامت به كوريا الشمالية وليس الحكومة الصينية التي تدعم نظام تلك الدولة. ليس معنى ذلك أن نقوم عند هذه النقطة بالتوقف ثم الانسحاب بعيداً عن أي موضوع من الموضوعات المتعلقة بمنع الانتشار النووي.. وإنما يجب علينا بدلاً من ذلك أن نقوم في المرة القادمة- إذا ما كانت هناك مرة قادمة- بالتركيز أكثر على دفع مسألة عدم الانتشار النووي قدماً للأمام في دول ومناطق توجد لدينا فيها وسائل للضغط حيث أن ذلك سيتيح أمامنا على الأقل فرصة للتأثير على مجرى الجدل الذي يدور حول هذا الموضوع. ــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست