ستيفان جونستون صيادٌ محترف منذ أربعين عاماً، هوايته المفضلة الإبحار لصيد "الأطوم"، وهو حيوان من الثدييات البحرية يتميز بحركته البطيئة ويشبه عجل البحر في الأميركيتين. ويمكن لهذه المخلوقات الطيعة العيش في المياه المالحة والاقتيات على أعشاب البحر. ويقول سكان أستراليا الأصليون: "إذا أعددت لك طبقاً من لحم الأطوم، فلن تستطيع تمييزه من لحم البقر. إنه لحم أحمر جيد ولذيذ". لكن جونستون، وهو من أعيان قبيلة يانيووا، وكان يتحدث من إحدى الجزر في خليج كاربينتاريا في شمال أستراليا، لا يُخفي قلقه من أن تكون أيامُ صيد "الأطوم" باتت معدودة؛ إذ أنه، على غرار كثير من السكان الأصليين هناك، يخشى من أن يؤدي مخطط شركة سويسرية يقضي بإنشاء منجم ضخم للرصاص والزنك بالقرب من الساحل، إلى القضاء على الأطوم وأعشاب البحر، بل قد يهدد السلاحف والأسماك وغيرها من الحيوانات البحرية أيضاً. وإذا كان اقتصاد أستراليا يشهد ازدهاراً ملحوظاً، والفضل في ذلك يعود في جزء كبير منه إلى الطلب الصيني المتزايد على الفحم والحديد وثروات طبيعية أخرى، فإن تزايد أعمال التنقيب وإنشاء مناجم جديدة يسببان احتكاكاً مع السكان الأصليين في العديد من الأجزاء النائية من البلاد. فبعد أشهر من الشد والجذب، مُنحت شركة "ستراتا" الإذن يوم الجمعة من قبل حكومة المنطقة الشمالية المحلية لبدء مشروع منجم الرصاص والزنك. وتقول رئيسة حكومة المنطقة الشمالية كلير مارتن "لا شك في أنه موضوع صعب، غير أننا اتبعنا بحزم وصرامة القوانين المعمول بها ضماناً لأن تكون المكتسبات الاقتصادية مشفوعة بالنزاهة البيئية والفائدة المجتمعية". غير أن قبيلة يانيووا وجارتها قبيلة غودانجي، تقولان إن تنمية نهر ماك آرثر حبلى بالأخطار، ومن ذلك خطر أن تفشل سدود المنجم في حبس المياه، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى انتشار مواد سامة في البيئة. والجدير بالذكر هنا أن منسوب نهر ماك آرثر يرتفع كثيراً خلال موسم الأمطار؛ كما أن كمية المياه التي تصب في البحر تعادل سبع مرات مياه ميناء سيدني. أما التخوف الثاني في أوساط السكان الأصليين، فيكتسي بعداً روحياً؛ إذ يخشون أن يتسبب تغيير مجرى النهر في إزعاج الأرواح القديمة التي يقال إنها تسكن أراضي السافانا المعشوشبة، والمستنقعات والبرك التي تعيش فيها التماسيح. كما تعتقد قبيلة غودجاني أن نهر ماك آرثر يأوي "ثعبان قوس قزح" العملاق الذي يعود إلى فترة خلق العالم- حسب معتقدات سكان أستراليا الأصليين- عندما كانت تعيش بالقارة كائنات أسطورية، وأن إغضاب ثعبان النهر سيجلب العواصف والأعاصير وغيرها من الكوارث. وإذا كانت معتقدات السكان الأصليين لأستراليا قد وقفت في طريق مشاريع التنمية في الماضي، فيبدو أن مشروع "ستراتا" عازم على شق طريقه. وقد أعلنت الشركة أنه لو أنها لم تمنح الإذن لتحويل منجمها الموجود في باطن الأرض منذ حوالي عشر سنوات إلى منجم مفتوح على سطح الأرض، لكانت قد اضطرت إلى أن تنسحب من الموقع، وهو ما يعني التخلي عن حوالي 3 في المئة من احتياطي الزنك العالمي، هذا علماً بأن نحو 300 عامل محلي كانوا سيفقدون أعمالهم. وقد أدت شهية الصين المنفتحة للمواد الخام إلى ارتفاع أسعار الزنك في الأسواق العالمية إلى 3300 دولار للطن، بعد أن كانت في حدود 700 دولار للطن قبل ثلاث سنوات. ونتيجة لذلك، تتسارع الشركات المنجمية مثل "ستراتا" اليوم من أجل استغلال احتياطيات جديدة. وقد أعلنت الشركة أن المنجم الذي يقع على بعد 550 ميلاً جنوب شرق عاصمة المنطقة الشمالية داروين، سيكون محاطاً بحائط يبلغ ارتفاعه 40 قدماً. وأكدت أن تحويل مجرى النهر الذي سيكلف 63 مليون دولار، سيؤدي إلى نقل المياه بسلام بعيداً عن الموقع. وفي هذا الإطار يقول المدير العام للمشروع برايان هورن "يلزم أن يكون ثمة فيضان أكبر بمرات عديدة من السابق حتى يمكنه أن يتجاوز الحائط"، مضيفاً "إننا واثقون من أنه لن تكون ثمة مشاكل". غير أن حماة البيئة لا يخفون تخوفاتهم، قائلين إن المشروع حافل بالمخاطر. وفي هذا السياق يقول ستيوارت بلانش، من فرع منظمة "الصندوق الدولي للطبيعة" البيئية بأستراليا، "لم يسبق أن تم تحويل مجرى نهر من هذا الحجم في أستراليا"، مضيفا "إنها مقامرة، وتجربة لا سابق لها. هذه الأنهار الاستوائية معقدة للغاية، إنها مختلفة تماماً عن إنشاء قناة إسمنتية لسحب مياه الأمطار في المدينة". ومما يذكر أن الطلب الأول الذي تقدمت به "ستراتا" لإنشاء المنجم قُوبل برفضِ حكومة المنطقة الشمالية في فبراير الماضي، بعدما أشار تقريرٌ مستقل إلى إمكانية تجاوز مياه النهر ضفتيه خلال موسم الأمطار الفصلية. والواقع أن الموافقة النهائية على إنشاء المنجم يجب أن تصدر عن الحكومة الفدرالية في كانبيرا. وقد أعرب رئيس الوزراء جون هاورد مؤخراً عن تأييده لإنشاء المنجم على اعتبار أن من شأن ذلك خلق فرص شغل قائلا": "إن المصلحة الوطنية تقتضي أن يستمر هذا البلد في احتضان الأنشطة المنجمية"، مضيفاً: "والواقع أنها ستكون وصمة عار إذا نحن لم نفعل". ـــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"