يمكن أن يكون إجراء كوريا الشمالية لتجربتها النووية الأولى، محفزا أساسيا لتبني فكرة إعداد سيناريو خليجي قائم على احتمال إجراء إيران لتجربة نووية، لاسيما أن المؤشرات على الأرض توحي بإمكانية تكرار السيناريو الكوري الشمالي، إذ لم تعد فكرة "إيران نووية" مستبعدة، حتى بعد التغير الذي حدث في موقف كل من الصين وروسيا، واللتين تراهن عليهما طهران، وكذلك كان الأمر بالنسبة لكوريا الشمالية. فحتى الآن ليس هناك تصور خليجي معلن، لا جماعي ولا فردي، حول رد فعل هذه الدول، إذا ما جاءت تلك اللحظة، بسبب ما يكتنف الموقف الخليجي من غموض في التعامل مع هذا الملف رغم أن احتمالات الخطر كبيرة على كافة دول المنطقة. وعلى العكس من ذلك نجد موقف دول الجوار الكوري التي كان لدى كل واحدة منها موقفها في التعامل مع الملف الكوري، الصين وكوريا الجنوبية لهما سياسة خاصة، أما اليابان فهي أقرب إلى الموقف الأميركي، لكن هذه الاختلافات لم تمنع تلك الدول من بلورة مواقف معلنة من تجربة كوريا الشمالية النووية، في حين أن الموقف الخليجي، كما هو واضح، لا زال غامضاً متردداً في دعم أي إجراء يتعلق بمنع إيران من دخول النادي النووي. أوصلنا، نحن الخليجيين، إعلان كوريا الشمالية لتجربتها النووية، إلى حقيقة أنه يجب علينا اتخاذ قرار واضح وصريح تجاه الخطى الإيرانية لامتلاك القدرات النووية، والتي تزعم أنها لأغراض سلمية، وأن يكون هذا القرار نابعاً من المصلحة الخليجية بشكل رئيسي، وليس بالنظر إلى الأمر على أنه توازن في منطقة الشرق الأوسط. لأننا إذا لم نفعل ذلك، فإن مفاجأة مماثلة لتلك التي فجرتها كوريا الشمالية، قد لا تكون بعيدة عنا هنا في الخليج، وبعدها ربما يكون الثمن الذي سندفعه باهظاً. الزوبعة العالمية الناتجة عن المفاجأة الكورية، تدفع بنا إلى طرح سيناريو "تخميني" في ما يمكن أن يحدث في منطقة الخليج العربي، إذا ما تكرر المشهد الكوري الشمالي في ظل تواجد قواسم مشتركة بينها وبين إيران، مع اختلافات بسيطة، سواء من حيث دول الجوار فكلا الدولتين تشكلان خطراً على دول جوارهما، سواء من حيث طبيعة النظام السياسي الموجود على قمة الهرم، والذي يوصف بأنه "متهور"، أو من حيث علاقتهما بالدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة التي تصنف الدولتين في "محور الشر"، أو من حيث رغبة كل منهما في امتلاك السلاح النووي كعامل قوة في مواجهة ذلك الغرب. وفي حين يرى كثيرون، بأنه إذا كانت احتمالات إثناء بيونج يانج عن الاستمرار في برنامجها النووي ليس بتلك الصعوبة، على اعتبار أن لديها من المشاكل الاقتصادية ما يجعلها قابلة للتراجع، فإن هذا الأمر لا ينطبق على دولة مثل إيران التي لا تعاني من ضائقة اقتصادية كبيرة. ربما يكون هذا السيناريو بعيداً في الوقت الحاضر، ولكنه يظل وارداً، لذا أجد أن مناقشة احتمالية إعلان إيران لتجربتها النووية هو خيار واقعي، ومن ثم لا بد أن نثبت أننا كخليجيين، جادون في هذه المناقشة، وأن نتوقف عن تبني مواقف مترددة أو مشوشة بين رغبتنا في عدم امتلاك إيران للسلاح النووي وبين رفضنا للعقوبات أو للضربة العسكرية! وعلى هذا الأساس، اعتقد أنه لا يجب أن يكون هذا الخيار مؤجلا لحين حدوث المفاجأة الإيرانية، خاصة أن إعلان إيران كدولة نووية، بات أمراً وارداً جداً وجدياً. وإذا لم تقم دول الخليج بإبلاغ إيران بشكل مباشر، بأن عليها أن توقف برنامجها النووي وتسمح للأمم المتحدة بتفتيش مصانعها وأنها ستشارك في تطبيق العقوبات عليها بشكل واضح وصريح، كما فعلت دول الجوار الكوري، فإن إيران لن تتوقف عن السير نحو إعلان تجربتها النووية، وبعدها سنكون في موقف لا نحسد عليه.