لو افترضنا أن أحد الدكاترة الخليجيين ودكتوراً عربياً تقدما لجامعة خليجية بطلب العمل في التدريس, فإن النصيب الأكبر في الاختيار سيكون من نصيب الدكتور العربي, حتى لو كان الدكتور الخليجي أكثر كفاءة. والسبب بصراحة يعود إلى اعتقاد خاطئ عام بأن الخليجي "متمرد" أو أنه نادراً ما يقول "نعم" لرؤسائه في العمل. وبصراحة أن بعض المسؤولين الخليجيين يرغبون في تعيين من لا يعارضهم, حتى لو كان في الحق. وخير دليل على صدق هذه المقولة كثرة غير الخليجيين من العرب في الديار الخليجية، وكأن هذه الديار قد خلت من الكفاءات الوطنية. وبالنظر إلى الفضائيات العربية سنجدها وقد امتلأت بالعرب بما يفوق التسعة والتسعين في المئة, في حين يحجم المسؤول الخليجي عن تدريب الكوادر الوطنية برغم قيام الدولة الخليجية لأكثر من نصف قرن! وفي مقابل هذا الانسياق الخليجي وراء العرب, لا تجد الاحترام المطلوب من هؤلاء العرب للكفاءات الخليجية, بل لا يزال كثير من الإخوة العرب يعتقدون أن الخليجيين لا يزالون مجرد بدو, ليس بينهم مثقفون أو كفاءات تستحق التقدير. واللوم يقع على بعض الحكومات الخليجية في المقام الأول لعدم تفضيلها أبناء الخليج, بل وحتى لعدم ثقتها بهم للأسف الشديد. وهذا الموقف يجب أن يتغير, بأن يتحول الخليج إلى عالم قائم بذاته. لنعترف أن الحكومات الخليجية أسست المكانة العربية على أموال النفط، وليس من المبالغة القول إن حكوماتنا تقبل تحمل التبعات المالية للمشاكل العربية القومية, في حين تحصد بقية الدول العربية السمعة السياسية. والجامعة العربية خير دليل على ذلك. ففي مقابل المال الخليجي "السايب" على هذه المؤسسة البائسة وعديمة النفع, يحتل الآخرون معظم المناصب الإدارية, بل إن الأمين العام لهذه المؤسسة الفاشلة يعارض أي تواجد خليجي فعال في الإدارة. وكذلك الأمر بالنسبة للمشكلة الفلسطينية التي ما عادت "قضية" من وجهة نظر كثيرين, كما كانت، حيث تتدفق الأموال الخليجية على شعب لا يزال بعضه يؤيد الطاغية المخلوع صدام حسين. وللأسف أن بعض حكوماتنا الخليجية لا تستمع لأهل العقل الذين لا يرون في المشكلة الفلسطينية، في هذه المرحلة، سوى مسؤولين فلسطينيين غير حريصين على قضيتهم, ولا يهمهم في قليل أو كثير المال الذي يأتيهم بدون تعب, بل إنهم لا يترددون في التصريح بأن ذلك حق لهم. ولهذا نقول إن منطقة الخليج بحاجة إلى إعادة النظر في موقعها العربي المكلف مادياً بدون نتيجة, في عالم يشهد بأن العرب اليوم صفر مهمل على جميع الأصعدة, وأن بعض الأحوال والأوضاع الاقتصادية الخليجية ليست بخير حيث نواجه كشعوب مشاكل صعبة في التعليم والاقتصاد الوحيد النافذ والبطالة المتوقعة في المستقبل وأجيال قادمة بحاجة لكل فلس يضيع على المشاكل العربية. ولا يعتقد أحد أن ذلك سيؤدي إلى العزلة, لأنه في عصر العولمة نحن بحاجة للغرب القوي, أكثر من عالم العرب الضعيف والمتخلف, إضافة إلى القدرات الذاتية المتوافرة لو أحسن استخدامها وتدريبها. لقد حان الوقت للتعامل مع العالم العربي, وفقاً للمصالح الوطنية. لقد انتهى الزمن القومي, ويحق للخليجي أن يبني نفسه اعتماداً على نفسه ومن خلال مصالحه, خاصة وأن الكفاءات الخليجية لا تقل كفاءة عن مثيلاتها من العرب, إن لم تكن أفضل.