هكذا إذاً، فإن العالم قد فوجئ بتجربة التفجير النووي في كوريا الشمالية! مع أنها كانت مفاجأة معلنة، ومتوقعة، بل إن بيونج يانج لم تنكرها سابقاً وإنما هددت بها مراراً. وبسبب تلك التهديدات وما يواكبها من معلومات لدى الدول الكبرى، كانت تُعقد جلسات تفاوض وتُقدّم عروض وإغراءات، مرة من بكين وأخرى عبر سيئول وثالثة بضمانات أوروبية. لكن كوريا الشمالية ذهبت إلى الهدف وتوصلت إليه، ومنذ غداة التفجير أصبح وضعها مختلفاً، عسكرياً وسياسياً، ولم يعد أمام المجتمع الدولي سوى أن يدير الأزمة معها لا أن يعالجها أو يحلها. لدينا من جهة قنبلة كورية شمالية قيل إن جهوداً بذلت وتبذل لتجنب وجودها، ولدينا في الجهة المقابلة قنبلة أخرى باتت أكثر خطراً وهي الفشل الدبلوماسي الفادح. من شأن كيم إيل يونج أن يعتقد أن قنبلته صارت حماية مؤكدة له ولنظامه، إلا أنها زادت الخطر عليه، فحتى الصين التي كانت تدلِّله وتحافظ على التواصل معه لم تستطع معارضة الاتجاه إلى معاقبته دولياً. وفي غياب أي أصدقاء دوليين لهذا النظام، أصبح الجزء الجنوبي التوأم لكوريا الشمالية مضطراً للتعايش مع الرعب قبل أن يتمكن من استثمار سياسة اليد الممدودة إلى الجزء الشمالي، لبناء تعاون اقتصادي معه قد يقنعه بتغيير سلوكه ليصبح دولة سوية تهجس بالتنمية أكثر مما تتوسوس بالمؤامرات الخارجية الموجهة ضدّها لتطويعها وتغيير النظام فيها. هذه الأزمة الدولية الجديدة- القديمة، وفَّرت -قبل تفاقمها أخيراً- الكثير من الدروس التي وجب على المجتمع الدولي أن يتوقف عندها. فهي لا تسرِّع السباق إلى التسلح النووي فحسب، بل تدعو أعضاء النادي النووي إلى طرح الأسئلة الأساسية عن الاستراتيجيات الدفاعية، عن سلوك الدول الكبرى وطموحات الهيمنة والتسلط التي لا تزال تحكم خططها وتفكيرها، وعن الشأن النووي الذي سيبرز أكثر فأكثر في حركة العلاقات الدولية. من هنا أن الفشل الدبلوماسي بات الخطر النووي الأكبر، لا لأنه يخفق في منع توسع انتشار سلاح الدمار هذا، وإنما خصوصاً لأنه يعجز عن إنتاج حلول سلمية هادفة ودائمة. الآن، وبعدما وقعت الواقعة الكورية الشمالية، يُقال إن المشكلة مزدوجة المخاطر، فنحن إزاء قنبلة وإزاء نظام شمولي منغلق يملك صاحبه إمكان الضغط على أزرار الدمار الشامل. كما لو أن الأمر يختلف حقاً في حال كانت القنبلة في كنف نظام ديمقراطي، الاختلاف الوحيد في أسلوب استخدام التهديد النووي وتوظيفه خدمة للمصالح. صحيح أن كيم يونج إيل سعى إلى القنبلة لحماية نظامه الاستبدادي، لكن الصحيح أيضاً أن الطريق الكوري الشمالي إلى القنبلة كان محفوفاً بالخوف الدائم من هجوم خارجي ومن حصار مزمن أدى إلى تيئيس شعبه أكثر مما نجح في إضعاف نظامه. وفي أي حال، لهذه الأزمة إسقاطات مؤكدة على الملف النووي الإيراني، فمن جهة لا يزال هناك متسع للمعالجة السلمية، متى توفرت الإرادة الحقيقية، ومن جهة أخرى فإن التفجير الكوري الشمالي قد يقنع المترددين أميركياً، ودولياً بأن ضربة واسعة وموجعة لإيران، قد تحقق على الأقل، بعض الأهداف المنشودة كعرقلة البرنامج النووي وتأخيره بشكل جوهري. لا شك أن الافتقاد إلى دبلوماسية خلاقة تأخذ في الاعتبار المتغيرات الاستراتيجية والدفاعية، قد يرجح اللجوء إلى خيار القوة، خصوصاً أن طبيعة المصالح (الأميركية) في منطقتي الخليج العربي والشرق الأوسط تفترض مسبقاً عدم السماح لإيران باقتناء السلاح النووي. فعندما تصل المواجهة إلى هذا الحد، تميل السياسات إلى الحسم بالقوة، إذ أن لكل حل دبلوماسي كلفته، ومن دون أن يضمن النتائج المتوخاة مئة في المئة، أما الحل العسكري، فيبقى منه على الأقل، أن الكلمة الأخيرة هي للأكثر قوة. وإيران تدرك هذه المعادلة ولا تسعى للوصول إليها، لذلك فإن التفجير الكوري الشمالي، قد يكون أضعف موقفها على المدى الطويل، خصوصاً أنها تراهن على الوقت.