ستشهد الساحة الإماراتية في الأيام القادمة الفصل الأول من انتخابات المجلس الوطني الاتحادي، والتي ستقتصر في هذه المرحلة على أعضاء الهيئات الانتخابية لكل إمارة، حيث يحق لكافة الأسماء في القوائم من رجال ونساء التقدم لطلب الترشيح أو الاكتفاء بالتصويت والمفاضلة بين المرشحين كصوت انتخابي تتنافس على اقتناصه الحملات الانتخابية للمرشحين. الهيئات الانتخابية وكما قيل تعتبر صورة مصغرة لمجتمع الإمارة وبذلك تعكس قضاياها هموم المواطن الإماراتي بكافة شرائحه وفئاته ، مع ملاحظة اختلاف القضايا وتباينها من ناحية الأولويات فما يصح كأولوية في إمارة أبوظبي ليس كذلك في إمارة الفجيرة مثلا، عوامل عدة سنأتي على ذكرها تساهم في رسم ملامح الحملات الانتخابية وقضايا عدة تلقي بظلالها عليها. بداية فإن تصميم الحملات الانتخابية جديد على الساحة الإماراتية، وإن كانت الدولة قد شهدت تجربة محدودة جغرافياً هي تجربة غرفة تجارة وصناعة أبوظبي، لكن الانتخابات بمفهومها السياسي الواسع جديدة ومستجدة على الحياة السياسية في الإمارات. وبانتظار ما ستنقشع عنه الأيام القادمة، نستعرض في هذا المقال استراتيجية فعالة لإدارة الحملات الانتخابية تصلح كإطار عام وتبقى التفاصيل رهينة بخصوصية كل إمارة. القاعدة الرئيسية هي اكتشاف الرسالة الملائمة واستهداف بها المجموعة المناسبة من الناخبين والعمل على إيصالها لهم. فبشكل عام يجب أن تقوم الحملة الانتخابية على إيصال رسالة مُقنعة للناخبين المستهدفين حتى يتحقق الفوز، ولا يمكن تحقق الفوز بدون القيام بحملة سياسية ترتكز على استراتيجية مكتوبة ومرسومة، صحيح أن لكل حملة سماتها المتميزة والفريدة ولكن هناك بعض المبادئ الرئيسية التي يمكن تطبيقها على كل حملة انتخابية. لا توجد قاعدة واحدة لإدارة الحملات الانتخابية، فالأمر لا يقتصر على شعارات ومجالس ومقار انتخابية، بل هو جهد عظيم يقوم به فريق مؤهل لإعداد حملة انتخابية علمية ودقيقة وناجحة، حملة قابلة للتطوير والتغيير بما يتلاءم مع المزاج الشعبي. والحملة الانتخابية الموصلة للكرسي هي حلم كل مرشح، وعموماً تتطلب استراتيجية إعداد حملة ناجحة توافر عوامل عدة، فعلى من يرغب في نجاح حملته الانتخابية اتباع الخطوات التالية: أولاً: توفر قدر كافٍ من المعلومات عن الناخبين أو (الفئة المستهدفة) وهم هنا أعضاء الهيئات الانتخابية في كل إمارة، إضافة إلى معلومات تفصيلية عن المنافسين، فجمع معلومات كافية عن أعضاء الهيئة الانتخابية من ناخبين ومرشحين في الإمارة من ناحية، القبيلة، المستوى التعليمي، المهنة، المستوى الثقافي...الخ، فهل يتصف الناخبون بصفات متشابهة لتترتب عليها بالضرورة مصالح متماثلة. من منهم أكثر المناصرين والمؤيدين احتمالاً، فمن المعروف أن الناخبين ينقسمون إلى ثلاث فئات: المؤيدون للمرشح، المؤيدون للمنافسين، أما النوع الثالث فهو من لم يحدد خياراته بعد، وهم غاية الحملات الانتخابية والفئة المستهدفة في عملية الاقتراع، فهم ناخبون ممكن إقناعهم بالرسالة المناسبة. وتجدر الإشارة هنا إلى الناخبين القبليين، وفي مجتمع قبلي كمجتمع الإمارات سيصوت أبناء القبيلة الواحدة للمرشح من قبيلتهم فإن لم يوجد فمن القبائل المتحالفة من أبناء العم أو الأنساب، ولا عيب في ذلك، فهؤلاء يشكلون المناصرين التقليديين. ثانياً: اعرف خصمك، ينبغي على المرشح تحديد المنافسين الأقوياء بالنسبة له، ومن ثم جمع المعلومات التفصيلية عنهم شخصياً، خلفياتهم التعليمية، المهنية، ما هي تصريحاتهم وآراؤهم حول القضايا العامة، مواطن ضعفهم وقوتهم، ما هي سلبياتهم التي يمكن استغلالها لمصلحة الحملة الانتخابية، معلومات عن حملاتهم الانتخابية المحتملة، كيف ستدار وممن ستمول، وما هي الاستراتيجية المتوقعة للخصم، أي باختصار جمع النقائص ومواضع القوة في الخصم وحملته. ثالثاً: تحديد عدد الناخبين المطلوبين لتحقيق فوز مؤكد، أي تحديد الفئة المستهدفة، والغاية من الاستهداف هي تحديد أي من مجموعات الناخبين قابلة للاستمالة وأكثر استعداداً للاستجابة إلى المرشح وبالتالي تتركز جهود الحملة عليهم. تحديد الناخبين المستهدفين وتقسيمهم إلى فئات متجانسة سيساهم في توحيد الرسالة الموجهة إليهم، فالرسالة الموجهة إلى جمهور النساء تختلف عن تلك الموجهة إلى الناخبين الأكبر سناً، ورسالة رجال الأعمال تختلف عن رسالة طلبة الجامعات، وهكذا، وأهمية الاستهداف هنا ضبط الإنفاق والجهد، من ناحية، وتطوير حملة فعالة لإقناع الناخبين المستهدفين، فبدلاً من إضاعة الوقت والجهد والمال فإن تركيز الجهود أكثر فعالية. رابعاً: تحديد رسالة الحملة بناء على المعلومات السابقة من قضايا سيتم تبنيها وأحلام سيتم تسويقها، فما هي أكثر القضايا إلحاحاً عند الناخبين، القضايا الاجتماعية أم الاقتصادية أم السياسية أم غيرها؟ وما هي المشاكل التي سيسلط المرشح الضوء عليها، عناوين واسعة كالتركيبة السكانية، أم محددة كتوطين الوظائف، وهي تتباين بالطبع بين الإمارات فبين إمارات تعاني ازدحاماً، وأخرى غيرها قضايا تتباين وتختلف وتبقى الأولوية مرهونة بخصوصية كل إمارة. ويجب ألا يغيب عن الحملة الانتخابية استمالة المرأة الناخبة بطرح قضاياها سواء، تعديل قوانين العمل، أو صرف الإعانات الاجتماعية أو غيرها من قضايا تمس المرأة في مجتمعنا. خامساً: تطوير رسالة الحملة وفقاً للمعلومات المسترجعة من الناخبين وعامة الشعب وذلك من خلال فريق يتابع وسائل الإعلام من صحف ومحطات تلفزيونية وإذاعية، وفريق يلتقط النبض العام في المجالس والنوادي والصالونات النسائية، بهدف عمل مراجعة مستمرة لشعارات الحملة والقضايا التي تعالجها في خطابها باستحداث أو تقليص قضايا تتوافق مع نبض الشارع وتستميل الناخبين عبر وسائل اتصال فعاله بدون أن تخرق اللوائح التي أقرتها اللجنة الوطنية للانتخابات للحملات الانتخابية، من استخدام وسائل الإعلام والدعاية الإعلامية والملصقات واللافتات. سادساً: تطوير خطة اتصال فعالة مع الناخبين والمتفرجين، الحملة السياسية عملية اتصال وسياق دؤوب للاتصال. وذلك باعتماد المرشح على كوادر بشرية مؤهلة، ولا يغيب عن المرشح أن الحملة ستستغرق أسبوعين فقط، لكن مرحلة الإعداد تسبق البدء الفعلي للحملة، لذا ستكون هذه المرحلة مرحلة الحسم، تنفيذاً لحملة تمتلك رسالة واضحة وخطة مرسومة وفكرة جلية عن الناخبين حتى يوم الاقتراع . وأخيراً تنفيذ الخطة وصولاً لكرسي المجلس الوطني الاتحادي انتخاباً لا تعييناً.