على متن الطائرة الحربية التي كانت تقله من قندهار، مركز العمليات الحربية في الجنوب، إلى العاصمة الأفغانية كابول، اطلع الجنرال "ديفيد ريتشاردز"، القائد البريطاني لقوات "الناتو" في أفغانستان، بسرعة على أحد المقالات. المقال كان لكاتب عمود بريطاني معروف هو "سايمون جينكينز" الذي كتب في صحيفة "الغارديان" البريطانية قائلاً إنه "يتعجب لسذاجة ريتشاردز بخصوص طالبان". واعتبر الكاتب أنه لا يمكن لـ"الناتو" التغلب على عدو يمكنه "الاعتماد على الدعم الضمني لعشرات الآلاف من المقاتلين من المليشيات القبلية". فكان رد فعل الجنرال "ريتشاردز" أن صاح وسط صوت محركات الطائرة قائلاً "لست ساذجاً، بل إنه الساذج". ووصف بـ"التفاهة" أن تكون لتنامي نشاط "طالبان" في جنوب أفغانستان هذا العام علاقة بالأيديولوجية أو تظلمات قبائل البشتون، قائلاً "هذه ليست انتفاضة شعبية ضخمة"، مضيفاً "أن تحرف الحقيقة ظلم للناس الذين يريدوننا هنا. كما أنها لا تساعدنا لأنها تضعف ما نفعله". وقال أيضاً "إن الناس لا يرغبون في عودة طالبان؛ غير أننا في حاجة إلى الوقت لتحقيق هذا الأمر". ويقود الجنرال "ريتشاردز"، البالغ 54 عاماً، قوة المساعدة الأمنية الدولية التي يصل قوامها إلى 31000 جندي، من بينها 12000 جندي أميركي ينتشرون عبر أرجاء البلاد. وقد سبق للجنرال البريطاني، الذي تولى منذ 2001 قيادة القوة القتالية النخبوية "فرق رد الفعل السريع المتحالفة"، أن عمل في إيرلندا الشمالية؛ كما كان قائد قوات حفظ السلام البريطانية ثلاث مرات– مرة في تيمور الشرقية في 1999 ومرتين في سيراليون عام 2000. وعندما وصل إلى أفغانستان في فبراير الماضي، كان مازال يتحدث كما لو كان ضمن قوات حفظ السلام، مشدداً على ضرورة تحسن الأوضاع الأمنية حتى يمكن لمشاريع التنمية وإعادة الإعمار أن تتم وتتقوى، إضافة إلى توسيع نفوذ الحكومة، والفوز بالعقول والقلوب. كما تعهد بالقيام بالأشياء بشكل مختلف عن الأميركيين. وقال إن جنود "الناتو" سيعاملون المعتقلين بطريقة شفافة، ويحترمون الإسلام والثقافة الأفغانية، ولن يُغيروا على المنازل إلا إذا كان ذلك ضرورياً. غير أن الجنرال سرعان ما اضطر إلى وضع العديد من هذه المخططات جانباً وخوض قتال طاحن، ليُظهر للمتمردين والسكان المحليين أن جنوده قوة ينبغي أخذها على محمل الجد. وحتى قبل أن يتولى قيادة الجنوب المضطرب، كانت تنشط "طالبان" بأعداد لم تر منذ 2001. إذ يقدر الجنرال "ريتشاردز" أن جنوده يواجهون اليوم ما بين 4000 و5000 من مقاتلي "طالبان". وقد تميزت أشهر الصيف بقتال شرس؛ حيث تعرضت قوات الجنرال لهجمات متكررة، سواء خلال قيامها بالدوريات وفي قواعدها، وهو ما أرغم "الناتو" على اللجوء إلى ضربات الجو والمدفعية التي قتلت أعداداً من المدنيين الذين كان يحاول كسبهم. وهكذا، فلم تكن ثمة مجال لاستراتيجية العقول والقلوب التي خطط لها. ومع ذلك، يؤكد الجنرال على أن قواته كانت مستعدة تمام الاستعداد، حيث أمضوا تسعة أشهر في الإعداد للمهمة على اعتبار أن نشر قوات "الناتو" أُرجأ لعدة أشهر. ويقول الجنرال في حوار صحفي أُجري معه بمقره في كابول الذي يقع بين سفارة الولايات المتحدة والقصر الرئاسي: "كنا نعلم أن ثمة معارضة قوية. لقد كنا نتابعها، وكان الأميركيون متعاونين، حيث قدموا لنا معلومات استخباراتية". ويقول أيضاً "لقد كانت ثمة شكوك في البداية حول "الناتو" وقدرتنا على القيام بعمليات أمنية صعبة"، مضيفاً "ولكن لم تعد توجد شكوك اليوم حول قدراتنا". وأضاف أنه يأسف للقتال، ولكنه كان ضرورياً، إذ يقول "لقد قتلنا للأسف– لأن بعضهم شبان أفغان عاطلون عن العمل يحتاجون إلى العمل تدفع لهم "طالبان" المال للقيام بأشيائهم القذرة"، مضيفاً "غير أننا قتلنا المئات من حركة "طالبان" خلال هذا الشهر الأخير، ولاسيما في قندهار وهيلمند، ووضعنا حدا لأي شكوك حول قدرة الناتو على القيام بما أرسل من أجله". وقد كانت ثمة بعض النجاحات مؤخراً، ومن ذلك استرجاع قواته السيطرة على "بانجواي"، وهي منطقة تبعد بحوالي 15 ميلاً عن قندهار، التي تعد المدينة الرئيسية في الجنوب، والتي تجمّع بها أتباع "طالبان" بأعداد كبيرة. ويقول الجنرال إن الفوز كان مهماً جداً نظراً لأثره الاستراتيجي والنفسي. خلال عمله بأفغانستان، رأى الجنرال "ريتشاردز" عن كثب مدى ضعف الحكومة الأفغانية وافتقارها إلى التجهيزات الضرورية للتعاطي مع الأزمات، مثل أعمال الشغب التي اندلعت في كابول بعد أن اصطدمت شاحنة عسكرية أميركية بسيارات مدنية، وهو ما أسفر عن مقتل 4 أشخاص على الأقل في شهر مايو. كما وجد نقصاً في التنسيق بين الحكومة والجيش والجهات المانحة الأجنبية، وضعٌ وصفه بـ"الفوضى" في أسابيعه الأولى في العمل. وإضافة إلى ذلك، عمل "ريتشاردز" كذلك على مساعدة الرئيس حامد كرزاي على تشكيل ما يشبه مجلساً سريا يضم الوزراء العامين والمسؤولين الأمنيين، إضافة إلى قادة الولايات المتحدة و"الناتو" وسفراء الدول المانحة الكبرى مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. المجلس، ويطلق عليه "مجموعة العمل السياسي، ينعقد أسبوعياً، ويرمي إلى تحقيق التنسيق بين الجهود الأمنية وجهود المساعدات. ويقول أحد المسؤولين في "الناتو"، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه "إنها هيئة قوية جدا.ً إنها بمثابة مجلس حربه". غير أنه مازالت ثمة طريق طويلة ينبغي قطعها؛ حيث تحدث عن ضرورة محاربة الفساد، واستبدال الموظفين الحكوميين غيرالأكفاء، وإقناع المانحين الأجانب بإسقاط إجراءاتهم الطويلة وتبسيط القواعد للمساعدة على تدفق مساعدات إعادة الإعمار. ويضيف "لا أحاول رسم صورة متفائلة. سأكون صادقاً معك؛ فهناك العديد مما ينبغي فعله". كارلوتا غول مراسلة "نيويورك تايمز" في كابول ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"