كثيرة هي الدول التي أبدت تخوفها من أن تؤدي التجربة النووية الأخيرة التي أجرتها كوريا الشمالية إلى انتقال الأسلحة النووية من بيونج يانج إلى الدول المارقة، أو الإرهابيين. لكن يبقى الخطر الأكبر هو سعي دول أخرى في العالم إلى امتلاك السلاح النووي ومن تم انتشاره على نطاق واسع يصعب التحكم فيه، لاسيما وأن بلداناً عديدة قد تلجأ إلى غطاء البرنامج النووي السلمي لوصول إلى القنبلة النووية. والواقع أن الدول التي تطمح حالياً للانضمام إلى نادي الدول النووية الآخذ في التوسع لا تحتاج إلى إجراء تجارب نووية، ولا إلى الانسحاب من معاهدة عدم الانتشار النووي وتعريض نفسها للتنديد العالمي كما يحصل اليوم مع كوريا الشمالية، بل كل ما تحتاجه هو إتقان تقنية تخصيب اليورانيوم، أو فصل البلوتونيوم لإنتاج الوقود النووي القادر على صناعة السلاح المدمر. فاستناداً إلى معاهدة عدم الانتشار النووي يحق للدول أن تسعى إلى امتلاك التكنولوجيا النووية لأغراض سلمية، لكن ما أن تجتز البلدان المعنية العقبة التكنولوجية وتتمكن من تخصيب اليورانيوم حتى تصبح قادرة عملياً على إنتاج القنبلة النووية. وليست هذه مجرد افتراضات تفتقر إلى المثال الواقعي، بل هي حقائق يشهد على صحتها ما يجري حالياً في العالم. فقد ساقت إيران مثلاً حجة تنويع مصادر الطاقة لديها لتطوير برنامجها النووي، متشبثة بأنه موجه لإغراض سلمية. وسرعان ما سمعنا أن مصر وتركيا قد أعلنتا اهتمامهما بالطاقة النووية وعزمهما بناء مفاعلات نووية. وفي عالم يصبح فيه سهلاً على الدول دخول النادي النووي بهذه السرعة، فإن ذلك ينذر بأخطار كبيرة على الأمن والسلم الدوليين، حيث يتوقع الخبراء في السنوات الخمس المقبلة أن تتمكن خمس دول من سلوك الطريق النووي. فاليابان تتوفر على مخزون وافر من البلوتونيوم يقدر بـ40 طناً تستخدمه في مولدات إنتاج الطاقة، وهي كمية كافية لتصنيع ما لا يقل عن خمسة آلاف سلاح نووي. كما أن اليابان تمتلك التكنولوجيا المناسبة لتطوير ترسانتها النووية في فترة قصيرة تمكنها من منافسة الترسانة الصينية. ورغم أن الشعب الياباني يعارض في مجمله امتلاك بلاده للسلاح النووي، فإن رئيس الحكومة الأسبق "ياشيرو ناكاسون" كان واضحاً عندما أشار إلى حاجة اليابان إلى إعادة النظر في سياستها النووية. والدولة الثانية المرشحة لتعزيز قدراتها النووية هي كوريا الجنوبية، التي وإن اعتمدت طيلة السنوات السابقة على سياسة الانفتاح تجاه جارتها الشمالية لنزع فتيل التوتر بينهما وتعميق علاقاتهما الثنائية، إلا أن التجربة النووية الأخيرة التي قامت بها كوريا الشمالية قد تدفع سيئول إلى إعادة تقييم سياستها السابقة والسعي إلى تطوير سلاح للردع. يذكر أن كوريا الجنوبية كانت تتوفر على برنامج نووي في بداية السبعينيات، لكنها انضمت إلى معاهدة عدم الانتشار النووي في عام 1975 واعترفت بأنها أجرت تجارب سرية لتخصيب اليورانيوم وفصل البلوتونيوم. وعلى غرار اليابان تملك كوريا الجنوبية القدرات التكنولوجية اللازمة لإنتاج السلاح النووي في فترة قصيرة. وبالنسبة لإيران فقد ساهم تدفق عائدات البترول بعد ارتفاع أسعاره إلى بروزها كلاعب أساسي في الشرق الأوسط. وإذا كانت كوريا الشمالية قد استطاعت، رغم الحصار وفقرها الشديد، تطوير برنامجها النووي وإجراء تجارب متقدمة، فإنه بمقدور إيران أيضاً، التي تتمتع بوضع أفضل، إجراء تجاربها النووية الخاصة بها. أما مصر فقد شرعت في إنشاء برنامج نووي منذ فترة طويلة لكنها تخلت عنه في السبعينيات عندما انضمت إلى معاهدة عدم الانتشار النووي. ولم تكن العلاقات بين مصر وإيران جيدة منذ الثورة الإيرانية سنة 1979، لتتوتر أكثر بعد اعتراف مصر بإسرائيل ووقوفها إلى جانب صدام حسين في حربه مع إيران. وعلى غرار مصر تنظر السعودية إلى البرنامج النووي الإيراني بكثير من الريبة، وتشعر أيضا بالقلق إزاء النفوذ الأميركي المتقلص في الشرق الأوسط ما قد يدفعها إلى شراء السلاح النووي من دول أخرى والاحتفاظ به في ترسانتها من الأسلحة. أندرو جروتو محلل بارز في قضايا الأمن القومي الأميركي بمركز "أميركان بروجريس" ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"