يبدو أن أوروبا تعبُر خطاً خفياً بخصوص أقلياتها المسلمة، إذ يجادل عدد متزايد من الأشخاص في التيار السياسي العام بأنه لا يمكن التوفيق بين الإسلام والقيم الأوروبية. ويقول "باتريك غونمان"، مالك أحد المطاعم وسط مدينة "أنتورب" التي تبعد بحوالى 25 كيلومتراً عن العاصمة البلجيكية بروكسل: "رأيتم ما حدث مع البابا. لقد قال إن الإسلام دين عنيف. وفي اليوم التالي، قتلوا إحدى الراهبات في مكان ما، فأضفوا بذلك المصداقية على كلامه"، مضيفاً "لقد ذهبت العقلانية". الواقع أن "غونمان" ليس متطرفاً، بل إنه نظم حركة احتجاجية الأسبوع الماضي حيث أغلقت 20 حانة ومطعماً في الليلة التي نظم فيها حزبٌ من "اليمين المتطرف" ذو برنامج مناوئ للمهاجرين المسلمين مسيرةً بالقرب من الحي. على مدى عدة سنوات كانت معظم الأصوات التي ترتفع مقتصرة على "اليمين المتطرف". أما اليوم، فقد أضحى أولئك الذين يُنظر إليهم على أنهم معتدلون –سواء من عامة الناس أو السياسيين- يتساءلون أيضاً حول ما إنْ كان ينبغي أن تكون ثمة حدودٌ للقيم التي لم تكن في الماضي موضع تشكيك من قبيل التسامح والتعددية الثقافية. وزير الخارجية البريطاني السابق "جاك سترو"، وهو سياسي معروف من حزب "العمال"، بدا وكأنه يختصر اللحظة الأسبوع الماضي عندما كتب يقول إنه يشعر بعدم الارتياح عند مخاطبة النساء اللاتي يغطين وجوههن بنقاب، مضيفاً أن النقاب يمثل "تعبيراً واضحاً عن الانفصال والاختلاف". وعندما ألقى البابا بينديكت السادس عشر خطاباً الشهر الماضي تضمن اقتباساً يصف جوانب من الإسلام بـ"الشريرة وغير الإنسانية"، بدا أنه يثير هذه المشاعر. فانتقده المسلمون لما اعتبروه إساءة لثقافتهم، في حين أشاد به غير المسلمين لأنه تحدث بجرأة نادرة. وعليه، فالخط بين النقد الصريح لمجموعة أو دين آخر والتعصب يمكن أن يكون رفيعاً جداً، والعديد من المسلمين يعربون عن قلقهم لأنه يتم تجاوزه أكثر فأكثر. وأياً كانت الدوافع، فإن الواقع -يقول "إمام وحيد بيديرسون"، وهو دانمركي اعتنق الإسلام- يتمثل في أن "الآراء في الجانبين أصبحت أكثر تطرفاً وتشدداً". وأضاف "لقد أصبح مُجازاً سياسياً مهاجمة الإسلام، وهذا يجعل من الصعب على المعتدلين من الجانبين أن يبقوا متعقلين". الواقع أن المخاوف من التطرف حقيقية، حيث حصل حزب "اليمين المتطرف" في بلجيكا "فلامس بيلانغ" على 20.5 في المئة من الأصوات في انتخابات المدينة الأحد الماضي، أي أعلى بخمس نقاط مئوية من عام 2000 في "أنتورب". وفي النمسا هذا الشهر، أبلت أحزاب "اليمين" أيضاً بلاء حسناً في الانتخابات، بوعود انتخابية تتعهد بأن تبدأ النمسا في ترحيل المهاجرين. وبدوره، اقترح حزب "فلامس بيلانغ" أيضاً إعادة المهاجرين الذين لا يبذلون جهوداً كبيرة من أجل الاندماج إلى بلدانهم. الحقيقة أن الفكرة تبدو غريبة بالنسبة لزعماء التيار العام، ومع ذلك يخشى العديد من المسلمين ألا يفصلنا عن ذاك اليوم -أو على الأقل عن النقاش حول الموضوع- سوى هجوم انتحاري واحد. يشير العديد من الخبراء إلى أن ثمة تاريخاً حافلاً بالاحتكاك بين الإسلام وأوروبا، ومن ذلك الحروب الصليبية والإمبراطورية العثمانية، اللتان استمرتا لقرون عدة، راسمتين بالدماء حدودَ المسيحية والإسلام. وقد سمح الإحساس بالذنب على خلفية ماضي أوروبا الاستعماري ثم الحرب العالمية الثانية، عندما تحول اللاتسامح إلى جرائم إبادة جماعية، بهجرة كبيرة في غياب نقاشات جادة ورزينة حول الاختلافات الحقيقية بين المهاجر والمضيف. ثم أتت هجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية لتدفع أوروبا إلى وعي وقلق جديدين. والحقيقة أن التفجيرات الموالية في مدريد ولندن، وقتل المخرج الهولندي ثيو فان غوخ على يد مغربي هولندي المولد يجسدان مثالين بليغين على التشدد والتطرف. ونتيجة لذلك، بدأ العديد من الأوروبيين -حتى أولئك الذين يشجعون الهجرة عادة- يتحدثون بصراحة أكبر حول الاختلافات الثقافية، وخصوصاً حول معتقدات المسلمين الدينية والقيم الاجتماعية، التي تعد أكثر محافظة من نظيراتها في أوروبا حول مواضيع من قبيل حقوق المرأة والشذوذ الجنسي. ويقول "يوست لاغنديك"، العضو الهولندي بالبرلمان الأوروبي عن حزب "الخضر": "إن العديد من الناس التقدميين –ونحن لا نتحدث عن القوميين أو اليمين المتطرف- يقولون "اليوم لدينا هذا الدين؛ إنه يلعب دوراً ويتحدى ما تعلمناه في الستينيات والسبعينيات". ويضيف قائلاً "إذن ثمة خوف من أن نكون قد دخلنا في آلة زمن حيث علينا أن نشرح لمهاجرينا ضرورة المساواة بين الرجل والمرأة، وأنه ينبغي التعامل مع الشواذ بشكل لائق. واليوم توجد فكرة أنه علينا أن نقوم بذلك مرة أخرى". وقد اشتكى النمساويون خلال انتخاباتهم الأخيرة من اكتظاظ المدارس العمومية في فيينا بالتلاميذ المسلمين وألقوا اللوم على الحكومات المتعاقبة التي سمحت بذلك. وبالمقابل، أعرب بعض المسلمين الهولنديين عن دعمهم للمتمردين في العراق على قوات حفظ السلام الهولندية هناك، على أساس أن ولاءهم ينبغي أن يكون أولاً تجاه بلد مسلم شقيق تحت الغزو. ويسود القلق في هولندا من أن تكون قيم التسامح الهولندية باتت محاصَرة إلى درجة دفعت الحكومة الشتاء الماضي إلى إعداد دليلٍ حول هذه القيم موجه للقادمين الجدد إلى المجتمع الهولندي. الدليل هو عبارة عن قرص "دي في دي" يتضمن من جملة ما يتضمن امرأةً عارية الصدر ورَجلين يُقبل أحدهما الآخر. والواقع أن الفيلم لا يشير صراحة إلى المسلمين، إلا أن الجمهور المستهدف واضحٌ وضوح رسالته: تبنوا ثقافتنا، وإلا ارحلوا! دان بيلفسكي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مراسل "نيويورك تايمز" في بروكسل ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أيان فيشار ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مراسل "نيويورك تايمز" في روما ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"