ها نحن اليوم أمام تسعة بلدان نووية بعدما انضمت إلى تلك القائمة كوريا الشمالية، إثر تجربتها الأخيرة التي أثارت الكثير من الخوف والجدل. وشخصياً لا أتوقع أن عدد الدول النووية سيبقى مستقراً لفترة طويلة، إذ من المتوقع أن تلتحق دول أخرى لعل أقربها إلى الذهن إيران التي تسعى حثيثاً إلى امتلاك القوة النووية. وفي هذا السياق لابد من إبداء بعض الملاحظات حول الموضوع. ستعرف الساحة السياسية الأميركية الكثير من الجدل حول تقييم الجهود التي قام بها الرئيس السابق بيل كلينتون والرئيس الحالي جورج بوش لمنع كوريا الشمالية من مواصلة برنامجها النووي طيلة السنوات العشر الأخيرة. وبالطبع ستبرز إلى السطح تهم؛ من قبيل فشل كلينتون في جهوده الدبلوماسية لإقناع بيونج يانج بالتخلي عن تطلعاتها النووية رغم نظام الحوافز الذي قدمته لها إدارته، كما ستوجه تهم التصلب وإغلاق أبواب الحوار إلى بوش وإدارته المحافظة وتركيزها على الشرق الأوسط بدل الاهتمام بالخطر الوشيك لكوريا الشمالية. والأكثر من ذلك ستتم الإشارة أيضاً إلى سياسة الرئيس بوش المتمثلة في تغيير الأنظمة، والتي دفعت بلاشك العديد من الدول إلى البحث عن تأمين نفسها عبر حيازة الأسلحة النووية. فلا أحد من حكام الأنظمة الشمولية يرغب في أن ينتهي به الأمر، مثل سلوبودان ميلوسوفيتش أو صدام حسين، وراء القضبان. ولأن تلك الأنظمة لم تكن نووية، فهي كانت ضعيفة وبالتالي عجزت عن خلق التوازن اللازم للدفاع عن وجودها، حيث أصبح من الأفضل للعديد من الأنظمة سلوك مسار برويز مشرف في باكستان وكيم يونج إيل في كوريا الشمالية. وربما كان من الأفضل لو قام الرئيس بوش بالدعوة لعقد قمة دولية تضم البلدان المعنية لحل مشكلة السلاح النووي لكوريا الشمالية، بدل التعنت في مواقفه الرافضة لإجراء مفاوضات مباشرة، أو التشبث بسياسة تغيير الأنظمة التي أتت بنتائج عكسية. لكن حتى نكون أكثر صدقاً مع أنفسنا لا أعتقد بأن الجهود الدبلوماسية، مهما بلغ تأثيرها، كانت قادرة على ثني بيونج يانج عن توجهاتها النووية. فالحقيقة أن التكنولوجيا النووية لم تعد مرتبطة فقط بالدفاع عن النفس ودرء الأخطاء، بل صارت مرتبطة أيضاً بمفهوم العزة القومية. وقد شهدنا كيف أن الدول المتقدمة نفسها باتت تسعى إلى تطوير ترسانتها، ومن ذلك ما تقوم به الولايات المتحدة من تجريب لاستخدامات جديدة للأسلحة النووية، بما فيها تلك القادرة على اختراق التحصينات الأرضية. وفي ظل عالم متخم بالأسلحة النووية، علينا أن نتوقع انتشار المزيد من تلك الأسلحة. فمعلوم أنه لم يكن صعباً على كوريا الجنوبية أن تتحول إلى قوة نووية بالنظر إلى قدرتها التكنولوجية وإمكاناتها العلمية، وهو ما قد تبحث عنه اليوم بعد التجربة النووية الأخيرة لجارتها الشمالية. وإذا كان مفهوم الردع أمراً جيداً بالنسبة للولايات المتحدة، فإنه أيضاً كذلك بالنسبة لسيئول، ليس فقط ضد كوريا الشمالية، بل أيضاً لتأمين نفسها ضد الأخطار المحتملة للقوتين المجاورتين؛ الصين وروسيا. والأمر نفسه ينطبق على إيران التي لابد أنها إحدى الدول المستفيدة من الأحداث الأخيرة في كوريا الشمالية. والواقع أنه لا توجد دولة كبيرة لا تسعى إلى امتلاك التكنولوجيا النووية مثل مصر وجنوب إفريقيا والبرازيل وفنزويلا. جيمس بينكرتون ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كاتب ومحلل سياسي أميركي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"