أفادت مجموعة من العلماء اليوم أن التغييرات التي تطرأ على مدار الأرض يمكن أن تفسر ظهور أنواع جديدة من الثدييات، وانقراض بعضها حسب دراسة أجريت على القوارض في أسبانيا. وفي هذا الصدد يقول علماء الإحاثة (وهو علم يبحث في أشكال الحياة في العصور الجيولوجية السالفة كما تمثلها المتحجرات أو المستحثات الحيوانية والنباتية) إن المسار الذي يسلكه كوكب الأرض في مداره حول الشمس والميل الطفيف الذي يكون على مستوى المحور الأرضي في الفضاء يرتبط مع فترات الاعتدال الأرضي. وقد أظهرت البحوث التي أجريت على المستحثات الحيوانية أن التغيرات التي تلحق بمسار كوكب الأرض في مداره حول الشمس تتزامن مع التحول الذي يطال القوارض، وربما حتى باقي الحيوانات الثديية. ففي تقرير نشر مؤخراً في دورية "نيتشر" العلمية، يؤكد الفريق العلمي المكون من علماء أسبان وهولنديين يعملون تحت قيادة "جان فان دام" من جامعة "أوتريخت" الهولندية أن "الفرضية الفلكية المرتبطة بتغير الأنواع الحيوانية تلقي الضوء على العديد من النقاط الغامضة المتعلقة بتطور الحيوانات الثديية وارتقائها مستوى ذكائها عبر الحقب التاريخية المختلفة". ويضيف الباحثون الذين أجروا الدراسة انطلاقاً من مستحثات للقوارض في أسبانبا، أن الفرضية الجديدة في تفسير ظهور أنواع حيوانية جديدة واختفائها "تمنح الفرصة لتوضيح بعض الجوانب المرتبطة بالخصائص المميزة لفترة زمنية طويلة تصل إلى 2.5 مليون سنة من عمر الحيوانات الثديية طيلة حياتها فوق كوكب الأرض". وقد جاءت هذه النتائج إثر البحوث العلمية التي أجراها الدكتور "فان" وزملاؤه على مستحثات الجرذان وأنواع أخرى من القوارض تمتد إلى أكثر من 22 مليون سنة في وسط أسبانبا. وقد تم الاعتماد على العديد من العينات أظهرت التغييرات التي عاشتها تلك الحيوانات، لاسيما تلك المتصلة بظهور أنواع وانقراض أخرى. ويعزو العلماء اختيارهم للقوارض كموضوع للدراسة الجديدة بسبب عددها الكبير نسبياً وسهولة العثور عليها في شكل مستحثات يمكن الاستناد إليها لدراسة المسار التطوري للحيوانات الثديية على امتداد التاريخ. وبانكباب العلماء على دراسة العينات التي فاقت 80 ألف عينة، تبرز أهم الخصائص المميزة للأنواع الحيوانية المختلفة بدأت تظهر التحولات التي يسعى العلماء إلى كشفها. واللافت أن التغييرات التي طالت القوارض عبر التاريخ كانت تحدث لدى مجموعة كبيرة من الحيوانات ما يعني أنها غير مرتبطة بأسباب بيولوجية، كما أنها حدثت عبر دورات زمنية تتراوح بين مليون و2.5 مليون سنة. وقد كشف العلماء من خلال الدراسة أن دورة التغييرات الطويلة تصل ذروتها عندما يكون مدار الأرض أقرب إلى الدائرة المكتملة، أما الدورة القصيرة من التغيرات التي تطال الحيوانات الثديية، فهي متصلة حسب العلماء بالميل الطفيف الذي يمس محور الأرض أثناء دورانها حول الشمس. وأضاف العلماء أن التغييرات الكبيرة في تطور القوارض إنما تحدث عندما تؤثر هذه التغيرات في مدار الأرض على معدل الحرارة، بحيث كلما انخفضت درجة حرارة الأرض كلما تسارعت التغييرات التي تلحق بالحيوانات الثديية. وعلى الرغم من صدور دراسات في السابق تتحدث عن دور التغيير المناخي في تطور الحيوانات الثديية وتفسير التغييرات التي تطال الأنواع الحيوانية المختلفة، غير أنها كانت تتعرض للانتقاد بسبب افتقادها للقرائن العلمية. ويقول العلماء وخبراء الحيوانات الثديية بخصوص نتائج الدراسة الأخيرة إنها مفيدة وسوف تفتح آفاقاً جديدة للباحثين. ويضيف العلماء أن الهدف في المرحلة المقبلة هو توسيع الدراسة لتشمل ليس فقط مستحثات القوارض، بل أنواعاً مختلفة من الحيوانات في مناطق أخرى غير أسبانيا للتأكد من النتائج الحالية. وفي هذا الصدد يقول "جون فلين" أحد علماء الإحاثة في المتحف الأميركي للتاريخ الطبيعي بشأن الدراسة "إنه أمر لافت حقاً، لكن سيثير الكثير من الجدل، إذ كلما تم اللجوء إلى عوامل خارجية لتفسير تطورات يعتقد أن لها أساساً بيولوجياً، فإن ذلك سيثير العديد من التحفظات". ويقول الدكتور "فلين" إن بعض البحوث العلمية التي أجريت مؤخراً، انتهت إلى أنه لا وجود لعلاقة بين التغير المناخي وتطور الحيوانات الثديية عبر التاريخ. لكن الدكتور "فان دام" الذي أشرف على الدراسة يؤكد أن الدورة الممتدة عبر 2.5 مليون سنة "دخلت مرحلة الذروة عندما كان كوكب الأرض في مداره الدائري حول الشمس، ولا يمكن أن يكون ذلك مجرد صدفة". ورغم أن النموذج الذي أرساه فريق البحث الهولندي يفسر تطور الحيوانات الثديية استناداً إلى التغييرات المناخية التي لحقت بالأرض وعلاقة ذلك بمسارها الفلكي، فإنه من الصعب التنبؤ بالمسار الذي سيسلكه تطور الحيوانات خلال السنوات المقبلة. جون نوبل ويلفورد ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كاتب أميركي متخصص في الشؤون العلمية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"