أثبت "إيان بيزلي"، رجل الدين المشاغب والوجه السياسي البروتستانتي الحازم في إيرلندا الشمالية، على مدى عدة سنوات أنه وفيٌّ للقبه: "الدكتور لا"، وهو لقبٌ يستند إلى ماض حافل بمواقف الرفض. واليوم، وفي وقت يتميز فيه الوضع في الإقليم بالعودة مجدداً إلى الحديث عن آفاق تسوية بين الكاثوليك والبروتستانت، يتساءل العديدُ من الأكاديميين والمحللين حول ما إن كان ممكناً إقناعه باستبدال "لا" بـ"ربما"، على الأقل. في "سانت أندروز"، هذه المنطقة المشهورة بغزارة أمطارها وجمال طبيعتها (وبكون الأمير ويليام، الذي يعد الثاني في الترتيب من حيث الأحقية في اعتلاء العرش البريطاني، تلقى تعليمه الجامعي فيها)، دعت بريطانيا وإيرلندا الأطراف السياسية المتناحرة في إيرلندا الشمالية من الأربعاء إلى الجمعة إلى اتخاذ قرار مهم. والواقع أنه في نزاع آخر، قد يبدو الأمر بسيطاً: الاتفاق على اقتسام السلطة في إطار حكومة محلية يُعاد إحياؤها بحلول الرابع والعشرين من نوفمبر المقبل، أو التنازل والعودة إلى الحكم المباشر للندن. غير أن الحياة السياسية في الإقليم معقدة وقلما تبلغ مرحلة النضج وجني الثمار قبل الساعات الأخيرة ويتم تجاوز نقاط الاختلاف. لاعبون قلائل جداً يعلمون ذلك على غرار "بيزلي"، البالغ من العمر ثمانين عاما، والذي يهيمن حزبه (الحزب الوحدوي الديمقراطي) على الناخبين البروتستانت الذين يرغبون في استمرار العلاقات مع بريطانيا، ويقفون في وجه الأهداف "الجمهورية" لخصومه في حزب "الشين فين"، الجناح السياسي لـ"الجيش الجمهوري الإيرلندي". غير أنه مع مرور السنين ومجيء التهديدات والآجال ورحيلها، يواجه "بيزلي" اختياراً صعباً ومصيرياً، يتمثل في الاختيار بين الحفاظ على سمعته باعتباره رجل الإقليم البروتستانتي الذي لا يستسلم ويرفض الانحناء لـ"الجيش الجمهوري الإيرلندي"، أو القبول باتفاق من شأنه أن يعود عليه بالإشادة والامتياز. إلا أن من شأن هذا الاحتمال الأخير تغيير رفضه الطويل لقبول شراكة مع خصومه "الجمهوريين". والواقع أنه لم تصدر عن "بيزلي" إشاراتٌ كثيرة حول ما إن كان سيبقى داخل المنطقة الآمنة المتمثلة في مقاومة حكومة مشتركة، أو ركوب مغامرة الوفاق التي لم يسبق له تجريبها، على نحو قد يكلفه دعم وتأييد أنصاره المتشددين. ويوم الأربعاء الماضي، وقبل قدومه إلى "سانت أندروز" للانضمام إلى نظيره الإيرلندي "بيرتي آهيرن" وزعماء الأحزاب السياسية في إيرلندا الشمالية، قال رئيس الوزراء البريطاني توني بلير: "إنها فرصة لا تتكرر"، مضيفاً "إنها فرصة تاريخية، وينبغي علينا أن نغتنمها". والواقع أن النتيجة تكتسي أهمية خاصة بالنسبة لبلير أيضاً، الذي يبحث لنفسه عن إنجاز ما خلال أشهره الأخيرة في السلطة. وقال بيلر "الآن هو وقت إنجاز العمل". وترمي هذه المفاوضات إلى دفع "بيزلي" و"جيري أدامس"، زعيم "الشين فين"، نحو استئناف اتفاقية اقتسام السلطة في بلفاست، والتي تم تعليقها قبل أربع سنوات بسبب نزاع حول مزاعم بتجسس "الجيش الجمهوري الإيرلندي" وأنشطة سرية أخرى. غير أن الكثير تغير منذ ذلك الوقت، إذ يُعد الإقليم اليوم أكثر رخاء وازدهاراً مما كان عليه في الماضي. والفضل في ذلك يعود في جزء منه إلى المساعدات الكبيرة من بريطانيا. كما أن سكانه، الكاثوليك والبروتستانت، تعَودوا على العيش في سلام منذ أن أعلن "الجيش الجمهوري الإيرلندي" وقف إطلاق النار قبل أكثر من عشر سنوات. وإضافة إلى ذلك، فقد خلصت لجنة مراقبة مستقلة الأسبوع الماضي إلى أن "الجيش الجمهوري الإيرلندي" نبذ الإرهاب والأنشطة الإجرامية إلى حد كبير، متبنياً الوسائل السلمية لتحقيق هدفه المتمثل في "إيرلندا موحدة". وبعد بضعة أيام، وفي تغير لافت لرجل وصف البابا ذات مرة بـ"المسيح الدجال"، واشتكى لعقود من الفاتيكان، التقى "بيزلي" لأول مرة مع الأسقف الكاثوليكي "شيت بتيست برادي". إلا أن المواضيع العالقة لم تبرح مكانها، والمتمثلة إجمالاً في اعتراضات "الشين فين" على الطريقة التي تتم بها إدارة الإقليم أمنياً، ورفض "بيزلي" قيادة حكومة، تضم خصوماً طالما وصفهم بالإرهابيين وأفراد العصابات. غير أن "آدمس" بدا متفائلاً حين قدومه إلى هنا يوم الأربعاء من أجل المحادثات إذ قال "لا توجد مشكلة لا يمكن حلها". وتتميز الأوضاع السياسية في إيرلندا الشمالية بالمخططات والحسابات الجيدة التي تحكم مواقف كل طرف. غير أن "بيزلي" هو من يُنظر إليه في الوقت الراهن على أن بيديه مفتاح تحقيق اختراق، أو تقدم حقيقي في المشهد السياسي. وقال "آدمس" عن خصمه اللدود والمتقدم في السن "أتمنى لإيان بيزلي الخير والعافية"، مضيفاً "آمل أن يكون مستعداً مثلنا لحل مختلف القضايا العالقة". ولدى قدومه إلى "سانت أندروز" يوم الأربعاء، لم يُظهر "بيزلي" يده؛ وقال حاثاً "الشين فين" على تغيير نفسه وتقديم كامل الدعم لشرطة إيرلندا الشمالية: "إننا لم نأتِ إلى هنا للدخول في خصومة أو جدل مع الشين فين". مضيفاً "إنْ رأينا ذلك، فثمة أمل. أما إذا لم نرَ ذلك، فإننا سنكون قد عُدنا إلى الأيام التعيسة والسيئة". ألان كاول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مراسل "نيويورك تايمز" في سانت أندروز، سكوتلندا ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"