خلف مقتل الصحفية الروسية آنا بوليتكوفسكايا الأسبوع الماضي، صدمة في الأوساط الصحفية والمدافعة عن حقوق الإنسان في روسيا والعالم. فبينما حضر لتشييع جنازتها الآلاف من المتعاطفين معها، اقتصر التمثيل الحكومي على نائب وزير الثقافة الروسي. ولا يمكن فهم مقتل الصحفية الروسية التي عرف عنها انتقادها لسياسات الكرملين، سواء في الداخل أو في الشيشان، إلا في سياق التطورات التي شهدتها روسيا في الآونة الأخيرة، ويتعين أخذها بعين الاعتبار من قبل رجال الأعمال والسياسيين في تعاملهم مع موسكو، لاسيما الحرب في الشيشان والجدل الواسع الذي خلفته. فقد باتت التجاوزات الكثيرة التي تورط فيها الجيش الروسي في الشيشان، معلومة بعدما أشارت إليها العديد من المنظمات الحقوقية. ويجب الإشارة أيضاً إلى السياسات التي اتبعها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عقب تسلمه السلطة، حيث سعى إلى تكريس روسيا مركزية تبسط القانون بالقوة وتكمم الأفواه المعارضة. وقد توعد بوتين بملاحقة قتلة الصحافية آنا بوليتكوفسكايا, متعهداً ببذل كل الجهود لتوضيح ملابسات الجريمة التي أثارت ردود أفعال منددة في أنحاء العالم. وقال بوتين -في أول تصريحات علنية بشأن مصرع بوليتكوفسكايا خلال مؤتمر صحفي مشترك مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل- إنه "ينبغي أن نكون واضحين في أنها كانت جريمة نكراء وغير مقبولة ولا يمكن أن تمر دون عقاب". وقلل الرئيس الروسي من شأن الصحافية القتيلة, قائلاً إن "بوليتكوفسكايا كان لها تأثير ضئيل في الحياة السياسية، وهذا الاغتيال يضر بروسيا والشيشان أكثر مما يضر بأي من مطبوعاتها", متهماً قتلتها برغبتهم في إثارة المشاعر المعادية لموسكو في أنحاء العالم. من جهتها قالت ميركل إن بوتين أكد لها ضرورة الكشف عن كل ملابسات اغتيال بوليتكوفسكايا, مؤكدة أن اغتيالها صدم الجميع. وكانت المنظمة الألمانية للدفاع عن الشعوب المهددة، قد دعت ميركل لمطالبة بوتين بإجراء تحقيق عاجل وشفاف لكشف ملابسات جريمة الاغتيال. وكان الأمين العام للمنظمة تيلمان تسوليش قد قال في تصريحات لمراسل "الجزيرة نت" في برلين إن على المستشارة الألمانية تجاوز كل الأعراف الدبلوماسية عند لقائها في دريسدن بالرئيس الروسي وإرغامه على نفي أو تأكيد الاتهامات الموجهة لجهاز استخباراته بالضلوع في اغتيال بوليتكوفسكايا. وقد شيع في موسكو الثلاثاء جثمان بوليتكوفسكايا (48 عاماً)، بعدما عثر عليها مقتولة السبت الماضي. وحققت الصحافية الروسية شهرة لدفاعها عن حقوق الإنسان وانتقادها لسياسات الحكومة خاصة إدارة الكرملين للحرب على الشيشان. ورغم محاولة بوتين التقليل من شأن الجريمة وعدم تسييسها، فإنه لا يمكن إغفال الظروف السياسية التي ساعدت، وإن على نحو غير مباشر، في تصفية الصحفية الروسية التي عرفت بجرأتها في طرق القضايا الحساسة وبانتقادها للسياسات الحكومية، ليس فقط في الشيشان، بل أيضاً على الصعيد الداخلي. ويقول محققون في روسيا إن مقتل الصحفية المعارضة قد تكون له علاقة بعملها الصحافي. وقال نائب المدعي في القضية فيشيسلاف روزينسكي: "إن أحد الأسباب المحتملة هو القتل المتعمد المرتبط بواجبات الضحية الاجتماعية والمتعلقة بعملها". وقد بدأت ردود الفعل على الجريمة بالصدور، حيث صرح رئيس الاتحاد السوفييتي السابق ميخائيل غورباتشوف بأن الجريمة وحشية وضربة قوية للصحافة المستقلة في روسيا. كما أعرب الناطق باسم الخارجية الأميركية شون ماكورماك عن صدمة بلاده وحزنها العميق بسبب "القتل الوحشي للصحافية الروسية المستقلة آنا بوليتكوفسكايا". وكان قد عُثر على جثة الصحفية الروسية البارزة بوليتكوفسكايا المعروفة بحدة انتقادها لسياسة الكرملين بشأن الحرب في الشيشان، في العاصمة الروسية موسكو مساء السبت. وقالت وكالة "إيتار تاس" الروسية إن الشرطة أعدت رسماً للقاتل بناء على الفيلم المسجل على كاميرا أمن البناية التي تقيم بها الصحفية. وكانت الصحفية الروسية قد تعرضت للتسمم عام 2004، وهو الحادث الذي يعتقد البعض أنه كان محاولة لقتلها. وقد سقطت مريضة بينما كانت في طريقها لتغطية وقائع حصار المدرسة في بيسلان التي كان مسلحون قد احتجزوا فيها رهائن من الأطفال، حيث سبق للصحفية بوليتكوفسكايا أن اشتركت في التفاوض مع المسلحين الشيشان الذين احتجزوا أشخاصاً داخل مسرح في موسكو عام 2002. ووصفها نقيب الصحفيين في روسيا بأنها كانت الضمير الصحفي للبلاد. وتؤكد جميع المصادر أنها كانت واحدة من الصحفيين البارزين القلائل الذين حافظوا على استقلالهم. وقد تسبب مقتلها في حالة من الغضب والصدمة على نطاق واسع في البلاد. ويقول في هذا الصدد نيكولا دوكوورث من منظمة العفو الدولية "إن روسيا فقدت مدافعة نشطة وشجاعة عن حقوق الإنسان". إيثان بورجر ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أستاذ بمركز القانون التابع لجامعة جورج تاون في واشنطن ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"