من المؤلم جداً، أنه كلما حاول العرب والمسلمون تضييق فجوة الاختلاف بينهم وبين الغرب، والعمل على بناء حالة من الثقة والتعاون والحوار المشترك المبني على الاحترام المتبادل، تصر أطراف في الغرب على إفساد مثل هذه الجهود وإفشالها بطرق ووسائل عديدة، أهمها إعادة بعث ذكريات الحروب الصليبية، والاستمرار في مواقف معادية للإسلام ورموزه، خاصة بعد أن أصبح توازن القوى وقواعد اللعبة الاقتصادية والسياسية تميل لصالح الغرب. والذي يجب أن ننتبه له جيداً، هو أن هذا الإصرار على الإساءة للقرآن الكريم والرسول محمد صلى الله عليه وسلم، خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ليس عملاً فردياً كما يصوره البعض. وهنا أتكلم استناداً إلى وثائق وتصريحات وكتب ودراسات ومقالات، وهذه هي الأمثلة: الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون دعا في كتابه "الفرصة السانحة"، حلف شمال الأطلسي إلى مواجهة الإسلام، وقال إن الأصوليين يريدون بعث الحضارة الإسلامية من جديد. أما الرئيس الحالي جورج بوش فأعلن في عام 2001 عن "حرب صليبية" وقال أمام الكونجرس في 19/1/2002، ما يؤكد ذلك. وقبل مدة بسيطة تحدث عن "الفاشية الإسلامية الجديدة". أما روبرت دورنان النائب الجمهوري، فوصف الرسول صلى الله عليه وسلم، بأنه "رجل حرب" وأن القرآن الكريم "كتاب إرهاب". والكاتبة آن كولتر، كتبت في صحيفة "الناشنال ريفيو" تقول: "ينبغي علينا أن نغزو بلدانهم ونقتل قادتهم ونرغمهم على اعتناق المسيحية، لقد فرشنا المدن الألمانية بسجادات من القنابل وقتلنا مدنيين، كانت تلك حربا وهذه حرب". وأنشأ دانيال بايبس، وهو أحد قادة "المحافظين الجدد"، مركز دراسات جديد يحمل اسم "معهد مكافحة الإسلام". وحتى نكون أكثر دقة، نقول إن خريطة الإساءة والتطاول على الرسول والقرآن، أصبحت تشمل العديد من الدول الأوروبية، حيث لم تكتفِ الدانمارك بالرسوم الكاريكاتيرية الشهيرة، بل إن "حزب الشعب" الدانماركي نظم مسابقة تلفزيونية تسخر من الرسول الكريم. وفي 19 سبتمبر المنصرم، نشرت صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية مقالاً للكاتب روبير ريديكير، يسخر من الرسول والقرآن وشعائر الحج. وفي مقال نشرته صحيفة "فولكسكرانت"، حذر النائب الهولندي غيرت فيلدرز من "تسونامي إسلامي". وفي بريطانيا نشرت رون رودد كتاباً عنوانه "دراسة السيرة الشخصية لمجموعة من النساء المسلمات"، أساءت فيه إلى أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها. وفي 16 سبتمبر الماضي هاجم الكاتب إيجون قليج الإسلام بحدة في مقال نشرته صحيفة "فرانكفورتر" عنوانه "الإسلام يريد غزو العالم"، وقال إن البابا أوريان الثاني الذي أطلق الحملة الصليبية عام 1098 كان على حق. وفي ألمانيا عارضت المستشارة أنجيلا ميركل إلغاء عرض أوبرالي يتضمن في أحد مشاهده أباً يخرج حاملاً حقيبة مليئة برؤوس مقطوعة يسمى أحدها "رأس النبي محمد"! وقد بلغ هذا الاتجاه مداه في محاضرة البابا بنديكت السادس عشر في الجامعة الألمانية، عندما وصف رسالة الرسول الكريم بأنها رسالة عنف وشر وأن الإسلام انتشر بحد السيف. هذه النزعة الصليبية الجديدة، ساهمت فيها وسائل الإعلام الغربي بقوة، وقدم مئات الأفلام التي تصور العرب والمسلمين كإرهابيين وغزاة عدوانيين. وكما يشير الباحث جاك شاهين، فإن هناك مشهدا شائعا جداً يظهر فيه مسجد، ثم ينقطع المشهد ليعرض أناساً مدنيين يسقطون صرعى بالرصاص! وفي إطار السعي الى تغيير وجه الإسلام، صرّح الحاخام اليهودي مردخاي فرومار، بقوله إن الحل الأقرب للقضاء نهائياً على كل أسس وتعاليم الإسلام، هو أن تبذل الدوائر الصهيونية جهدها من أجل علمنة المجتمع الإسلامي، ونشر الجنس والإباحية وثقافة الدعارة في أوساط المسلمين. إن هذه الهجمة الصليبية، تمثل جزءاً من سياسة منظمة لتحطيم الروح المعنوية للعالم الإسلامي. والمطلوب الآن هو موقف موحد من الدول العربية والإسلامية في مواجهة هذا الخطر، ولابد أن تتحرك كل المؤسسات والمنظمات والأقلام والإعلام العربي والإسلامي للدفاع عن الإسلام ومقدساته الدينية!