قرأت مقال: "عملية جمع القرآن... إشكالات في المصادر السُّنية"، للدكتور محمد عابد الجابري، المنشور في هذه الصفحات يوم الثلاثاء الماضي، والذي ذكر في نهايته أن سلسلة مقالاته حول القرآن انتهت، وأنها تحولت إلى كتاب، واعداً بالكتابة ابتداء من الأسبوع المقبل في الرد على البابا. وضمن تعقيبي على الكاتب أريد القول إنني أتفق معه شكلاً وأختلف معه مضموناً. فمن ناحية الشكل من حقه كمفكر أن يطرح ما يشاء ويناقش حتى الأمور الدينية، دون تشكيك في معلوم من الدين بالضرورة، فحرية التعبير عن الرأي ينبغي أن تكون مضمونة، وهذا يحسب له ويحسب لهذه الصحيفة الغراء. وأختلف معه مضموناً في النتائج التي انتهى إليها بحثه، فمن دخل من مدخل خاطئ –حسب رأيي- لابد أن ينتهي نهاية خاطئة طبعاً. وخطأ الجابري أنه حوَّل مسائل إيمانية اعتقادية إلى موضوع للتذهن وإعمال المنهج العقلي القاصر عن الوصول إلى شيء حاسم بشأنها. وليس الكاتب طبعاً هو أول من حاول فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال والانفصال، فقد سبقه إلى ذلك كثيرون، ومنهم المفكر المحبب إليه هو ابن رشد. أما فيما يتعلق بمسألة "الحفظ" فما جاء في القرآن بخصوصها واضح، وإن كان الكاتب استنتج أن صيغة الآية "وإنا له لحافظون" تشير إلى المستقبل –مع أن هنالك من المفسرين من يقول إن الضمير "له" عائد على النبي صلى الله عليه وسلم مصداقاً لقوله تعالى "والله يعصمك..."، وليس على القرآن-، فقد كان أولى به أن يستنتج أيضاً أن الله تبارك وتعالى هو الحافظ للقرآن الكريم، وليس من جمعوه. هذا إضافة إلى أن الجابري لم يعط مسألة الناسخ والمنسوخ في القرآن ما تستحقه من بحث وهي مدار الموضوع هنا. فالفرق بين القرآن وبين الكتب السماوية السابقة هو أن الله تعهد بحفظه في حين أن تلك الكتب استحفظ عليها رجال دين. والفرق بين، والنتيجة بينة أيضاً. منصور زيدان - دبي